لقطها، والأصح أن حكومة منابتهن تجب إن لقط لا إن أخذ ديتهن، وعلل بأن الحكومة من جنس الدية، بخلاف القصاص فإنه ليس من جنسها فدخلت فيها دونه، وقد يجاب بأنه هنا متمكن من استيفاء حقه بخلافه فيما سيأتي، ولو قطع يده من المرفق فرضي عنها بكف وإصبع لم يجز لعدوله عن محل الجناية مع القدرة عليه، فإن قطعها من الكوع عزر، ولا غرم عليه لما مر وهدر الباقي فليس له قطعة ولا طلب حكومته لأنه بقطعه من الكوع ترك بعض حقه وقنع ببعضه كما نقله الإمام والبغوي عن الأصحاب، وإن قال البغوي: عندي له حكومة الساعد، ويفارق ما مر في الصورة السابقة من أن له قطع الباقي بأن القاطع من الكوع مستوف لمسمى اليد بخلاف ملتقط الأصابع (ولو كسر عضده وأبانه) أي المكسور قطع من الموفق لأنه أقرب مفصل إلى محل الجناية والعضد من مفصل المرفق إلى الكتف (وله حكومة الباقي) لتعذر القصاص فيه. فإن قيل: هذه المسألة قد علمت من قوله قبل: وله قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر وحكومة الباقي فلا فائدة لذكرها. أجيب بأنه إنما أعادها لأجل التفريع عليها وهو قوله: (فلو طلب الكوع) للقطع (مكن) منه (في الأصح) لأنه عاجز عن القطع في محل الجناية، وهو بالعدول تارك لبعض حقه فلا يمنع منه، وله حكومة الساعد مع حكومة المقطوع من العضد لأنه لم يأخذ عوضا عنه. والثاني ورجحه في الشرح الصغير وصاحب الأنوار لا، لعدوله عما هو أقرب إلى محل الجناية. ولم يصرحا في الشرح والروضة بترجيح. قال البلقيني: والأرجح ما في المنهاج وتبعه الدميري، وعلى ما في الشرح الصغير: لو قطع من الكوع ثم أراد القطع من المرفق لم يمكن كما جزما به في الروضة وأصلها. قال الزركشي: ويحتاج إلى الفرق بينه وبين مسألة التقاط الأصابع، فإن له قطع الكف بعده اه.
وفرق بأنه هناك يعود إلى محل الجناية وههنا إلى غير محلها، وإنما جوزنا قطع ما دونه للضرورة، فإذا قطع مرة لم يكرره. (ولو أوضحه) مثلا (فذهب ضوءه) من عينيه معا (أوضحه) طلبا للمماثلة (فإن ذهب الضوء) من عيني الجاني فذاك (وإلا) بأن لم يذهب بذلك (أذهبه) إن أمكن ذهابه مع بقاء الحدقة بقول أهل الخبرة (بأخف) أمر (ممكن) في إذهاب به كطرح كافور، و (كتقريب حديدة محماة من حدقته) كما أذهب ضوءه بها شمة ونحوها مما لا يجري فيه القصاص، قال لم يمكن إذهاب الضوء أصلا أو لم يمكن إلا بإذهاب الحدقة سقط القصاص ووجبت الدية كما قاله المتولي وغيره. وقال الأذرعي: إنه متعين، ولو نقص الضوء امتنع القصاص إجماعا (ولو لطمة) أي ضربة على وجهه بباطن راحته (لطمة تذهب ضوءه) بفتح الضاد وضمها من عينيه (غالبا فذهب) ضوءه (لطمة مثلها) طلبا للمماثلة ليذهب بها ضوءه (فإن لم يذهب) باللطمة (أذهب) بالطريق المتقدر مع بقاء الحدقة إن أمكن وإلا أخذت الدية، وفي وجه رجحه البغوي واستحسنه في الروضة كأصلها لا يقتص في اللطمة لعدم انضباطها، ولهذا لو انفردت عن إذهاب الضوء لم يجب فيها قصاص، وأما لو ذهب الضوء من إحدى عينيه فإنه لا يلطم لاحتمال أن يذهب منهما بل يذهب بالمعالجة إن أمكن وإلا فالدية، واحترز بغالبا عما إذا لم تذهب اللطمة غالبا الضوء فإنه لا قصاص فيها كما صرح به الروياني. (والسمع) أي إذهابه بجناية على الاذن (كالبصر يجب القصاص فيه بالسراية) لأن له محلا مضبطا. وقيل: لا قود فيه لأنه في غير محل الجناية فلا يمكن القصاص فيه. قال البلقيني: وهو الصواب فقد نص عليه في الام، وقال الأذرعي: إنه المذهب المنصوص اه. ومع هذا المعتمد ما في المتن (وكذا البطش والذوق والشم) أي إذهابها بجناية على يد أو رجل أو فم أو رأس يجب القصاص فيها بالسراية (في الأصح) في الجميع لأن لها محال مضبوطة ولأهل الخبرة طرق في إبطالها. والثاني المنع إذ لا يمكن القصاص فيها.