بالجواز. (وما) أي والبلد الذي (فتح عنوة) كمصر وأصبهان وبلاد المغرب (لا يحدثونها فيه) لأن المسلمين ملكوها بالاستيلاء فيمتنع جعلها كنيسة، وكما لا يجوز إحداثها لا يجوز إعادتها إذا انهدمت (ولا يقرون على كنيسة كانت فيه في الأصح) لما مر، وعلى هذا فلا يجوز تقرير الكنائس بمصر كما قاله الزركشي: لأنها فتحت عنوة ولا بالعراق، والثاني يقرون لأن المصلحة قد تنقضي ذلك، ومحل الخلاف في القائمة عند الفتح، أما المتهدمة أو التي هدمها المسلمون فلا يقرون عليها قطعا.
تنبيه: لو استولى أهل حرب على بلدة أهل ذمة وفيها كنائسهم ثم استعدناها منهم عنوة أجرى عليها حكم ما كانت عليه قبل استيلاء أهل الحرب، قاله صاحب الوافي، واستظهره الزركشي. (أو) فتح البلد (صلحا) كبيت المقدس (بشرط) كون (الأرض لنا وشرط إسكانهم) فيها بخراج (وإبقاء الكنائس) مثلا لهم (جاز) لأنه إذا جاز الصلح على أن كل البلد لهم فعلى بعضهم أولى.
تنبيه: قوله وإبقاء الكنائس يقتضي منعهم من إحداثها، وبه صرح الماوردي، والذي في الشرح والروضة عن الروياني وغيره إنهم إذا صولحوا على إحداثها جاز أيضا ولم يذكر إخلافه. قال الزركشي: وهو محمول على ما إذا دعت إليه ضرورة وإلا فلا وجه له اه. ومقتضى التعليل الجواز مطلقا وهو الظاهر، والتعبير بالجواز المراد به عدم المنع، إذ الجواز حكم شرعي ولم يرد الشرع بجواز ذلك، نبه عليه السبكي. (وإن) فتح البلد صلحا بشرط الأرض لنا (وأطلق) الصلح فلم يذكر فيه إبقاء الكنائس ولا عدمه (فالأصح المنع) من إبقائها فيهدم ما فيها من الكنائس، لأن إطلاق اللفظ يقتضي ضرورة جميع البلد لنا، والثاني لا، وهي مستثناة بقرينة الحال لحاجتهم إليها في عبادتهم.
فائدة: قال الشيخ عز الدين: لا يجوز للمسلم دخول كنائس أهل الذمة إلا بإذنهم، لأنهم يكرهون دخولهم إليها، ومقتضى ذلك الجواز بالاذن وهو محمول على ما إذا لم تكن فيها صورة فإن كان وهي لا تنفك عن ذلك حرم هذا إذا كانت مما يقرون عليها وإلا جاز دخولها بغير إذنهم لأنها واجبة الإزالة، وغالب كنائسهم الآن بهذه الصفة. (أو) فتح صلحا بشرط الأرض (لهم) ويؤدون خراجها (قررت) كنائسهم لأنها ملكهم (ولهم الاحداث في الأصح) لأن الملك والدار لهم فيتصرفون فيها كيف شاءوا، والثاني المنع لأن البلد تحت حكم الاسلام، وعلى الأول لا يمنعون من إظهار شعارهم كخمر وخنزير، وأعيادهم كضرب ناقوسهم، ويمنعون من إيواء الجاسوس وتبليغ الاخبار وسائر ما نتضرر به في ديارهم.
تنبيه: حيث جوزنا أيضا الكنائس، فلا منع من ترميمها إذا استهدمت لأنها مبقاة، وهل يجب إخفاء العمارة؟ وجهان: أصحهما لا، ولا يمنعون من تطيينها من داخل وخارج، وتجوز إعادة الجدران الساقطة، وإذا انهدمت الكنيسة المبقاة، فلا يمنعون من إعادتها على الأصح في الشرح والروضة لأن ذلك ليس بإحداث، وقال السبكي في كتاب الوقف: ولا أرى الفتوى بذلك، فإن في سنة ثلاث عشرة أو نحوها رأيت في منامي رجلا من أكابر العلماء في ذلك الوقت عليه عمامة زرقاء، فعندما طلع الفجر من تلك الليلة طلبني ذلك العالم فوجدته في ذلك المكان الذي رأيته فيه، وبيده كراسة في ترميم الكنائس، يريد أن ينتصر لجواز الترميم ويستعين بي فذكرت واعتبرت. قال: ومعنى قولنا لا نمنعهم الترميم، وليس المراد جائز، بل هو من جملة المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر، ولا نقول أن ذلك جائز لهم، ولا ينبغي أن يأذن لهم ولي الأمر فيه كما يأذن في الأشياء الجائزة في الشرع، وإنما معنى تمكينهم التخلية وعدم الانكار كما إنا نقرهم على التوراة والإنجيل، ولو اشتروهما أو استأجروا من يكتبهما لهم لم يحكم بصحته، ولا يحل للسلطان ولا للقاضي أن يقوم لهم افعلوا ذلك وأن يعينهم عليه ولا لاحد من المسلمين