الجوانب إذ لا جار لهم (ويمنع الذمي) الذكر المكلف في بلاد المسلمين (ركوب خيل) لقوله تعالى * (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) *، فأمر أولياءه بإعدادها لأعدائه، ولما في الصحيحين من حديث عروة البارقي:
الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعني به الغنيمة وهم مغنومون. وروي: الخيل ظهورها عز.
أما إذا انفردا ببلدة أو قرية في غير دارنا لم يمنعوا في أقرب الوجهين إلى النص كما قاله الأذرعي، قال: ولو استعنا بهم في حرب حيث يجوز، فالظاهر تمكينهم من ركوبها زمن القتال.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لا فرق في منع ركوب الخيل بين النفيس منها والخسيس، وهو ما عليه الجمهور، لكن استثنى الجويني وغيره منها البراذين الخسيسة، وجرى عليه ابن المقري. (لا) ركوب (حمير) قطعا ولو رفيعة القيمة (و) لا (بغال نفيسة) في الأصح لأنها في نفيسة خسيسة، وألحق الإمام والغزالي البغال النفيسة بالخيل واختاره الأذرعي وغيره، فإن التجمل والتعاظم بركوبها أكثر من كثير من الخيل. وقال البلقيني: لا توقف عندنا في الفتوى بذلك لأنه لا يركبها في هذا الزمان في الغالب إلا أعيان الناس أو من يتشبه بهم اه. ويمنع تشبههم بأعيان الناس، أو من يتشبه بهم، وقول المصنف (ويركب بإكاف) - بكسر الهمزة - أي برذعة ونحوها، وقد مر الكلام على ذلك في باب الإجارة (وركاب خشب لا حديد) ونحوه (ولا سرج) اتباعا لكتاب عمر رضي الله تعالى عنه، والمعنى فيه أن يتميزوا عن المسلمين، وله الركوب على سرج من خشب كما نقله الزركشي عن الماوردي، ويركب عرضا بأن يجعل رجليه من جانب واحد وظهره من جانب آخر. قال الرافعي: ويحسن أن يتوسط فيفرق بين أن يركب إلى مسافة قريبة من البلد أو إلى بعيدة، وهو ظاهر، ويمنع من حمل السلاح ومن اللجم المزينة بالنقدين. قال الزركشي: ولعل منعه من حمل السلاح محمول على الحضر ونحوه دون الاسفار المخوفة والطويلة. أما النساء والصبيان ونحوهما فلا يمنعون من ذلك كما لا جوية عليهم، حكاه في أصل الروضة عن ابن كج وأقره. فإن قيل: قد صححوا أن النساء يؤمرن بالغيار والزنار والتمييز في الحمام، فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك؟: أجيب بأن ما هناك كالضرورة لحصول التمييز به بخلاف ما هنا. قال ابن الصلاح: وينبغي منعهم من خدمة الملوك والامراء كما يمنعون من ركوب الخيل (ويلجأ) الذمي عند زحمه المسلمين (إلى أضيق الطرق) بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار لقوله (ص): لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه. أما إذا خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج. قال في الحاوي: ولا يمشون إلا أفرادا متفرقين (ولا يوقرون ولا يصدرون في مجلس) فيه مسلم لأن الله تعالى أذلهم، والظاهر كما قال الأذرعي تحريم ذلك.
فائدة: دخل محمد بن الوليد الطرطوشي على الملك الأفضل ابن أمير الجيوش، وكان إلى جانبه رجل نصراني فوعظ الطرطوشي الأمير حتى بكى، ثم أنشد:
يا ذا الذي طاعته قربة وحبه مفترض واجب إن الذي شرفت من أجله أي محمد (ص). يزعم هذا - أي النصراني - أنه كاذب. فأقامه الأفضل من موضعه، هكذا كانت العلماء إذا دخلت على الملوك، وتحرم مودة الكافر لقوله تعالى * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) *. فإن قيل قد مر في باب الوليمة إن مخالطته مكروهة؟. أجيب بأن المخالطة إلى الظاهر. والمودة إلى الميل القلبي، فإن قيل: الميل القلبي لا اختيار للشخص فيه؟. أجيب بإمكان رفعه بقطع أسباب المودة التي ينشأ عنها ميل القلب، كما قيل: الإساءة تقطع عروق المحبة. (ويؤمر) الذمي والذمية المكلفان في الاسلام وجوبا (بالغيار) - بكسر المعجمة - وإن لم يشرط عليهم، وهو أن يخيط كل منهما بموضع لا يعتاد الخياطة عليه، كالكتف على ثوبه الظاهر ما يخالف لونه لون ثوبه ويلبسه: وذلك للتمييز، ولان عمر رضي الله تعالى عنه