مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٤٣
دون ما لا يعتقدونه كشرب الخمر ونكاح المجوس، وقد فسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها، والصغار بالتزام أحكامنا.
قالوا: وأشد الصغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله، وإنما وجب التعرض لذلك في الايجاب، لأن الجزية مع الانقياد والاستسلام كالعوض عن التقرير فيجب التعرض له كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة، وهذا في حق الرجل. أما المرأة فيكفي فيها الانقياد لحكم الاسلام فقط، إذ لا جزية عليها.
تنبيه: لا تنحصر صيغة إيجابها فيما ذكره المصنف، فلو قال الكافر ابتداء: أقررني بكذا، فقال الإمام: أقررتك كفى، لأن الاستيجاب كالقبول. (والأصح اشتراط ذكر قدرها) أي الجزية لما مر أنها كالثمن والأجرة. والثاني وهو ضعيف جدا خلاف ما يفهمه كلامه لا يشترط، ويحمل على الأقل عند الاطلاق.
تنبيه: أفهم تخصيصه الخلاف بذكر قدرها أنه لا خلاف في اشتراط الانقياد لحكم الاسلام، وليس مرادا، بل ذكر القاضي حسين والإمام فيه خلافا، لأن الأحكام من مقتضيات العقد، والتصريح بمقتضى العقد لا يشترط في صحته (لا كف اللسان) منهم (عن الله تعالى ورسوله (ص) ودينه) فلا يشترط ذكره لدخوله في شرط الانقياد، وقيل يشترط، إذ به تحصل المسالمة وترك التعرض من الجانبين (ولا يصح العقد) للجزية (مؤقتا على المذهب) لأنه عقد يحقن به الدم فلا يجوز مؤقتا كعقد الاسلام وفي قول أو وجه يصح.
تنبيه: محل الخلاف في التأقيت بمعلوم كسنة، أما المجهول كأقركم ما شئنا، أو ما شاء الله أو زيد، أو ما أقركم الله، فالمذهب القطع بالمنع. وأما قوله (ص): أقركم ما أقركم الله فإنما جرى في المهادنة حين وادع يهود خيبر، لا في عقد الذمة، ولو قال ذلك غيره من الأئمة لم يصح، لأنه (ص) يعلم ما عند الله بالوحي بخلاف غيره.
وقضية كلامهم أنه لا يشترط ذكر التأبيد، بل يجوز الاطلاق، وهو يقتضي التأبيد، ولو قال: أقركم ما شئتم صح، لأن لهم نبذ العقد متى شاؤوا فليس فيه إلا التصريح بمقتضى العقد، بخلاف الهدنة لا تصح بهذا اللفظ، لأنه يخرج عقدها عن موضوعه من كونه مؤقتا إلى ما يحتمل تأبيده المناني لمقتضاه. (ويشترط) في صحة العقد من الناطق (لفظ قبول) كقبلت أو رضيت بذلك كغيره من العقود. أما الأخرى فيكفي فيه الإشارة المفهمة، لأنها بمنزلة نطقه، وتكفي الكتابة مع النية كما بحثه الزركشي كالبيع، بل أولى، وكما صرحوا به في الأمان.
تنبيه: سكتوا عن شرط اتصال القبول بالايجاب، وظاهر كما قال شيخنا أنه يشترط وإن قال الأذرعي: يقرب عدم اعتباره. (ولو وجد كافر بدارنا فقال دخلت لسماع كلام الله تعالى، أو) قال دخلت (رسولا) ولو عبدا سواء كان معه كتاب أم لا (أو) قال دخلت (بأمان مسلم) يصح أمانه (صدق) فلا يتعرض له لاحتمال ما يدعيه، وقصد ذلك يؤمنه من غير احتياج إلى تأمين، وكذا لو قال: دخلت لاسلم، أو لأبذل جزية.
تنبيه: محل ذلك إذا ادعاه قبل أن يصير عندنا أسيرا، وإلا فلا يقبل إلا ببينة كما قاله البلقيني. (وفي دعوى الأمان وجه) أنه لا يصدق فيه، بل يطالب ببينة لامكانها غالبا. وأجاب الأول بأن الظاهر من حال الحربي أنه لا يدخل دارنا بغير أمان، فإن اتهم حلف كما نقله الرافعي عن ابن كج في مدعي الرسالة، وجزم به ابن المقري في غيره.
ثم شرع في الركن الثاني وهو العاقد، فقال: (ويشترط لعقدها الإمام، أو نائبه) فيها خصوصا أو عموما، لأنها من المصالح العظام فتحتاج إلى نظر واجتهاد، فلا يصح عقدها من غيرهما، لكن لا يغتال المعقود له، بل يبلغ مأمنه، ولا شئ عليه، ولو أقام سنة فأكثر لأن العقد لغو (وعليه) أي عاقدها (الإجابة إذا طلبوا) عقدها لخبر مسلم عن
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548