دون ما لا يعتقدونه كشرب الخمر ونكاح المجوس، وقد فسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها، والصغار بالتزام أحكامنا.
قالوا: وأشد الصغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله، وإنما وجب التعرض لذلك في الايجاب، لأن الجزية مع الانقياد والاستسلام كالعوض عن التقرير فيجب التعرض له كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة، وهذا في حق الرجل. أما المرأة فيكفي فيها الانقياد لحكم الاسلام فقط، إذ لا جزية عليها.
تنبيه: لا تنحصر صيغة إيجابها فيما ذكره المصنف، فلو قال الكافر ابتداء: أقررني بكذا، فقال الإمام: أقررتك كفى، لأن الاستيجاب كالقبول. (والأصح اشتراط ذكر قدرها) أي الجزية لما مر أنها كالثمن والأجرة. والثاني وهو ضعيف جدا خلاف ما يفهمه كلامه لا يشترط، ويحمل على الأقل عند الاطلاق.
تنبيه: أفهم تخصيصه الخلاف بذكر قدرها أنه لا خلاف في اشتراط الانقياد لحكم الاسلام، وليس مرادا، بل ذكر القاضي حسين والإمام فيه خلافا، لأن الأحكام من مقتضيات العقد، والتصريح بمقتضى العقد لا يشترط في صحته (لا كف اللسان) منهم (عن الله تعالى ورسوله (ص) ودينه) فلا يشترط ذكره لدخوله في شرط الانقياد، وقيل يشترط، إذ به تحصل المسالمة وترك التعرض من الجانبين (ولا يصح العقد) للجزية (مؤقتا على المذهب) لأنه عقد يحقن به الدم فلا يجوز مؤقتا كعقد الاسلام وفي قول أو وجه يصح.
تنبيه: محل الخلاف في التأقيت بمعلوم كسنة، أما المجهول كأقركم ما شئنا، أو ما شاء الله أو زيد، أو ما أقركم الله، فالمذهب القطع بالمنع. وأما قوله (ص): أقركم ما أقركم الله فإنما جرى في المهادنة حين وادع يهود خيبر، لا في عقد الذمة، ولو قال ذلك غيره من الأئمة لم يصح، لأنه (ص) يعلم ما عند الله بالوحي بخلاف غيره.
وقضية كلامهم أنه لا يشترط ذكر التأبيد، بل يجوز الاطلاق، وهو يقتضي التأبيد، ولو قال: أقركم ما شئتم صح، لأن لهم نبذ العقد متى شاؤوا فليس فيه إلا التصريح بمقتضى العقد، بخلاف الهدنة لا تصح بهذا اللفظ، لأنه يخرج عقدها عن موضوعه من كونه مؤقتا إلى ما يحتمل تأبيده المناني لمقتضاه. (ويشترط) في صحة العقد من الناطق (لفظ قبول) كقبلت أو رضيت بذلك كغيره من العقود. أما الأخرى فيكفي فيه الإشارة المفهمة، لأنها بمنزلة نطقه، وتكفي الكتابة مع النية كما بحثه الزركشي كالبيع، بل أولى، وكما صرحوا به في الأمان.
تنبيه: سكتوا عن شرط اتصال القبول بالايجاب، وظاهر كما قال شيخنا أنه يشترط وإن قال الأذرعي: يقرب عدم اعتباره. (ولو وجد كافر بدارنا فقال دخلت لسماع كلام الله تعالى، أو) قال دخلت (رسولا) ولو عبدا سواء كان معه كتاب أم لا (أو) قال دخلت (بأمان مسلم) يصح أمانه (صدق) فلا يتعرض له لاحتمال ما يدعيه، وقصد ذلك يؤمنه من غير احتياج إلى تأمين، وكذا لو قال: دخلت لاسلم، أو لأبذل جزية.
تنبيه: محل ذلك إذا ادعاه قبل أن يصير عندنا أسيرا، وإلا فلا يقبل إلا ببينة كما قاله البلقيني. (وفي دعوى الأمان وجه) أنه لا يصدق فيه، بل يطالب ببينة لامكانها غالبا. وأجاب الأول بأن الظاهر من حال الحربي أنه لا يدخل دارنا بغير أمان، فإن اتهم حلف كما نقله الرافعي عن ابن كج في مدعي الرسالة، وجزم به ابن المقري في غيره.
ثم شرع في الركن الثاني وهو العاقد، فقال: (ويشترط لعقدها الإمام، أو نائبه) فيها خصوصا أو عموما، لأنها من المصالح العظام فتحتاج إلى نظر واجتهاد، فلا يصح عقدها من غيرهما، لكن لا يغتال المعقود له، بل يبلغ مأمنه، ولا شئ عليه، ولو أقام سنة فأكثر لأن العقد لغو (وعليه) أي عاقدها (الإجابة إذا طلبوا) عقدها لخبر مسلم عن