سقطت الإهانة قطعا. (قلت: هذه الهيئة) المذكورة في المحرر (باطلة) لأنها لا أصلها من السنة، ولا تقل عن فعل أحد من السلف (و) حينئذ (دعوى استحبابها أشد خطأ) من دعوى جوازها، ودعوى وجوبها أشد خطأ من دعوى استحبابها (والله أعلم) وكان القياس أن يقول أشد بطلانا ليطابق قوله باطلة. قال ابن قاسم: وكأنه أراد بالباطلة الخطأ. قال في زيادة الروضة: وإنما ذكرها طائفة من الخراسانيين. وقال جمهور الأصحاب: تؤخذ الجزية برفق كأخذ الديون اه.
قال الشارح: وفيه تحمل على الذاكرين لها، وللخلاف فيها المستند إلى تفسير الصغار في الآية المبني عليها المسائل المذكورة.
قال ابن النقيب: ولم أر من تعرض لذلك هل هو حرام أو مكروه؟ وقضية كونها كسائر الديون التحريم اه. وتصريح المصنف بالبطلان يقتضي التحريم، ويجوز للذمي أن يحيي الجزية وعشر التجارة من أهل الذمة (ويستحب) وإن كان قضية كلام الجمهور الجواز (للإمام إذا أمكنه أن يشرط) بنفسه أو نائبه (عليهم) أي الكفار (إذا صولحوا في بلدهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين) وإن لم يكن المار من أهل الفئ أو كان غنيا، لما رواه البيهقي أنه (ص) صالح أهل أيلة على ثلاثمائة دينار، وكانوا ثلاثمائة رجل. وعلى ضيافة من يمر بهم من المسلمين ولان فيه مصلحة ظاهرة لفقراء المسلمين ولأغنيائهم، فإنهم قد لا يبيعون منهم إذا مروا بهم فيتضررون، فإذا علموا أن ضيافتهم عليهم واجبة بادروا إلى البيع خوفا من نزولهم عندهم.
تنبيه: قوله في بلدهم يقتضي المنع فيما إذا صولحوا في بلدنا. قال الزركشي: وبه صرح سليم في المجرد وصاحب الاستقصاء. قال الأذرعي: والظاهر أنهم لو صولحوا في بلادنا وانفردوا في قرية كان الحكم كذلك، وكلام كثير يقتضيه، وقول المصنف: أن يشرط المفعول النائب عن فاعل يستحب: أي يستحب عند الامكان اشتراط الضيافة لا أنه فاعل أمكنه ويكون ما ذكر (زائدا على أقل جزية) لأن الجزية مبنية على التملك والضيافة على الإباحة فلم يجز الاكتفاء بها، كما لا يجوز التغدية والتعشية عن الكفارة (وقيل يجوز) أن تحسب الضيافة (منها) لأنه ليس عليهم إلا الجزية، وعلى هذا يشترط أن يكون الضيف من أهل الفئ (وتجعل) الضيافة (على غني ومتوسط، لا) على (فقير في الأصح) المنصوص لأنها تتكرر فيعجز عنها. والثاني عليه أيضا كالجزية (ويذكر) العاقد عند اشتراط الضيافة (عدد الضيفان) بكسر الضاد - جمع ضيف، من ضاف إذا مال (رجالا وفرسانا) لأنه أقطع للمنازعة وأنفى للغرر.
تنبيه: كلامه صادق بأمرين: إما أن يشترط ذلك على كل واحد منهم كأن يقول: أقررتكم على أن على الغني منكم أربعة دنانير وضيافة عشرة أنفس في كل يوم رجالة كذا وفرسانا كذا، أو على المجموع كأن تضيفوا في كل سنة ألف مسلم، ثم يوزعون فيما بينهم، أو يتحمل بعضهم عن بعض. وإذا تفاوتوا في الجزية استحب أن يفاوت بينهم في الضيافة فيجعل على الغني عشرين مثلا، وعلى المتوسط عشرة، ولا يفاوت بينهم في جنس الطعام، لأنه لو شرط على الغني أطعمة فاخرة أجحف به الضيفان، وإن ازدحم الضيفان على المضيف لهم أو عكسه خير المزدحم عليه، وإن كثرت الضيفان عليهم بدءوا بالسابق لسبقه، وإن تساووا أقرع بينهم، وليكن للضيفان عريف يرتب أمرهم كما صرح به في أصل الروضة ويذكر (جنس الطعام والأدم وقدرهما ولكل واحد) من الضيفان (كذا) من الخبز، وكذا من السمن أو الزيت بحسب العرف لأنه أنفى للغرر، والمعتبر فيه طعامهم وأدمهم نفيا للمشقة عنهم. قال الماوردي:
فإن كانوا يقتاتون الحنطة ويتأدمون باللحم كان عليهم أن يضيفوهم كذلك، وإن كانوا يقتاتون الشعير ويتأدمون