بريدة: كان رسول الله (ص) إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه - إلى أن قال -: فإذا هم أبوا الاسلام فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
تنبيه: محل الوجوب قبل الأسر، فأما الأسير إذا طلب عقد الجزية لا تجب إجابته على الأصح كما اقتضاه كلام الروضة (إلا) إذا طلب عقدها شخص يخاف كيده كان يكون الطالب (جاسوسا نخافه) فلا نجيبه للضرر الذي يخشى منه، بل لا نقبل الجزية منه، والجاسوس صاحب سر الشر، كما أن الناموس صاحب سر الخير. ثم شرع في الركن الثالث وهو المعقود له. فقال: (ولا تعقد) الجزية (إلا لليهود والنصارى) من العرب والعجم الذين لم يعلم دخولهم في ذلك الدين بعد نسخه لأهل الكتاب، وقد قال تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون) * إلى أن قال: * (من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية) * (والمجوس) لأنه (ص) أخذها منهم، وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولان لهم شبهة كتاب، والأظهر أنه كان لهم كتاب فرفع (وأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ) لدينه ولو بعد التبديل، وإن لم يجتنبوا المبدل منه تغليبا لحقن الدم، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبيحتهم كما مر، لأن الأصل في الابضاع والميتات التحريم.
تنبيه: المراد بالنسخ نسخ التوراة بالإنجيل في اليهود، ونسخ الإنجيل في النصارى ببعثته (ص)، ولا تعقد لأولاد من تهود أو تنصر بعد النسخ بشريعة نبينا أو تهود بعد بعثة عيسى كآبائهم لأنهم تمسكوا بدين باطل وسقطت فضيلته. (أو) أي وتعقد أيضا لمن لم يعلم حاله كان (شككنا في وقته) أي التهود أو التنصر فلم نعرف أدخلوا قبل النسخ أو بعده؟ تغليبا لحقن الدم كالمجوس. وبذلك حكمت الصحابة في نصارى العرب وهم نهرا وتنوخ وبنو تغلب.
تنبيه: فهم من إطلاق المصنف أن يهود خيبر كغيرهم. وانفرد ابن أبي هريرة بإسقاط الجزية عنهم لأن النبي (ص) ساقاهم وجعلهم بذلك خولا: أي عبيدا. وسئل ابن سريج عما يدعونه من أن علي بن أبي طالب كتب لهم كتابا بإسقاطها، فقال: لم ينقل أحد من المسلمين ذلك. وأما الصابئة والسامرة فتعقد لهم الجزية إن لم تكفرهم اليهود والنصارى ولم يخالفوهم في أصول دينهم، وإلا فلا تعقد لهم، وكذا تعقد لهم لو أشكل أمرهم. وأما من ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب كعبدة الأوثان والشمس والملائكة ومن في معناهم كمن يقول إن الفلك حي ناطق، وإن الكواكب السبعة آلهة فلا يقرون بالجزية سواء فيهم العربي والعجمي. وعند أبي حنيفة تؤخذ الجزية من العجم منهم. وعند مالك تؤخذ من جميع المشركين إلا مشركي قريش. (وكذا) يقر بالجزية على المذهب (زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله عليهما وسلم) وكذا صحف شيث وهو ابن آدم لصلبه لأن الله تعالى أنزل عليهم صحفا، فقال: * (صحف إبراهيم وموسى) * وقال: * (وإنه لفي زبر الأولين) * وسمى كتابا كما نص عليه الشافعي فاندرجت في قوله تعالى * (من الذين أوتوا الكتاب) * وقيل لا تعقد لهم لأنها مواعظ لا أحكام لها، فليس لها حرمة الأحكام، ولا تحل مناكحتهم وذبيحتهم على المذهب عملا بالاحتياط في المواضع الثلاثة (ومن أحد أبويه كتابي والآخر وثني) تعقد له (على المذهب) وإن كان الكتابي أمه تغليبا لحقن الدم، وتحرم مناكحته وذبيحته احتياطا. والطريق الثاني لا تعقد له كما لا يصح نكاحه.
تنبيه: قوله على المذهب راجع إلى هذه المسألة وإلى التي قبلها، ولو ظفرنا بقوم وادعوا أو بعضهم التمسك تبعا لتمسك آبائهم بكتاب قبل النسخ، ولو بعد التبديل صدقنا المدعين دون غيرهم وعقد لهم الجزية لأن دينهم لا يعرف إلا من جهتهم، فإن شهد عدلان بكذبهم فإن كان قد شرط عليهم في العقد قتالهم إن بان كذبهم اغتلناهم، وكذا إن