بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح، وفي رواية صححها ابن حبان والبيهقي: فلا قود ولا دية، والمعنى فيه المنع من النظر وسواء أكانت حرمه مستورة أو في منعطف أم لا، لعموم الاخبار، ولأنه يريد سترها عن الأعين وإن كانت مستورة.
تنبيه: شمل قوله: ومن نظر الرجل والمرأة عند نظرها ما لا يجوز، والخنثى والمراهق وهو كذلك. فإن قيل:
المراهق غير مكلف، ولا يستوفى منه الحدود فكيف يجوز رميه؟ أجيب بأن الرمي ليس للتكليف بل لدفع مفسدة النظر فإذن لا فرق بين المكلف وغيره ممن يحصل به المفسدة، وخرج بقوله: نظر الأعمى، ومن استرق السمع، فلا يجوز رميهما، إذ ليس السمع كالبصر في الاطلاع على العورات وبقوله: حرمه ما إذا كان فيها المالك وحده، فإن فيه تفصيلا وهو إن كان مكشوف العورة فله الرمي، وإلا فلا في الأصح، وإن اختار الأذرعي الرمي مطلقا لعموم الحديث المار، وما إذا كان فيها خنثى مستور العورة فإنه لا يرميه كما قال البلقيني إنه الأقرب. وقال الزركشي:
ينبغي تخريجه على جواز النظر إليه، وهذا أوجه، والضمير في قوله: في داره راجع لمن له الحرم، أما الناظر فلا فرق بين أن يكون الموضع الذي يطلع منه ملكه أو شارعا أو غيره، لأنه لا يحل له الاطلاع، وبقوله: من كوة أو ثقب ما إذا نظر من الباب المفتوح فلا يرميه لتفريط صاحب الدار بفتحه، ولا بد من تقييد الكوة بالصغيرة، أما الكبيرة فكالباب المفتوح، وفي معناها الشباك الواسع العين لتقصير صاحب الدار إلا أن ينذر، فيرميه كما صرح به الحاوي الصغير وغيره.
ويؤخذ من التعليل أنه لو كان الفاتح للباب هو الناظر ولم يتمكن رب الدار من إغلاقه جاز الرمي وهو ظاهر، وحكم النظر من سطح نفسه والمؤذن من المارة كالكوة على الأصح، إذ لا تفريط من صاحب الدار. وبقوله: عمدا ما إذا لم يقصد الاطلاع كأن كان مجنونا أو كان مخطئا أو وقع نظره اتفاقا فإنه لا يرميه إذا علم بذلك صاحب الدار، فإن رماه وادعى المرمي عدم القصد فلا شئ على الرامي لأن الاطلاع حصل والقصد باطن. قال الرافعي: وهذا ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق القصد. وفي كلام الإمام ما يدل على المنع وهو حسن اه. وظاهر كما قال شيخنا أن ما ذكر ليس ذهابا لذلك إذ لا يمنع ذلك إن تحقق الامر بقرائن يعرف بها الرامي قصد الناظر ولا يجوز رمي من انصرف عن النظر كالصائل إذا رجع عن صياله. وبقوله: بخفيف الثقيل كالحجر الكبير والنشاب ويضمن إن رمي بذلك بالقصاص أو الدية. نعم لو لم يجد غير ذلك جاز كنظيره في الصيال فيما إذا أمكنه الدفع بالعصا ولم يجد إلا السيف كما نبه عليه الزركشي، ولو لم يمكن رمي عينه أو لم يندفع برميه بالخفيف استغاث عليه فإن لم يكن في محل غوث استحب أن ينشده بالله تعالى ثم له ضربه بالسلاح وما يردعه. ويستثنى من إطلاقهم الناظر صورتان: الأولى ما لو كان أحد أصوله الذين لا قصاص عليهم ولا حد قذف فلا يجوز رميه كما قاله الماوردي والروياني، لأنه نوع حد، فإن رماه وفقأه ضمن.
الثانية ما إذا كان النظر مباحا له لخطبة ونحوها بشرطه كما قاله البلقيني وغيره، ولمستأجر الدار رمي المالك وهل يجوز للمستعير رمي المعير؟ وجهان في أصل الروضة بلا ترجيح. وقال الأذرعي وغيره: الأقوى الجواز ولو كان في دار مغصوبة أو مسجد أو شارع مكشوف العورة، أو هو وأهله فلا يجوز رميه، لأن الموضع لا يختص به. والخيمة في الصحراء كالبيت في البنيان وإنما يجوز رمي الناظر (بشرط عدم محرم وزوجة للناظر) فإن كان له شئ من ذلك حرم رميه لأن له في النظر شبهة كما لا يقطع بسرقة المال المشترك.
تنبيه: الواو في عبارته بمعنى أو، فإن أحدهما كاف ومثل الزوجة الأمة، ويرد على طرده ما لو كان له هناك متاع فإنه لا يجوز رميه كما جزما به في الشرح والروضة، وعلى عكسه ما لو كان له هناك محرم ولكن متجردة فإنه يجوز رميه إذ ليس له النظر إلى ما بين سرتها وركبتها. ثم أشار لاعتبار شرطين آخرين على مرجوح أحدهما ما تضمنه قوله (قيل: و) بشرط عدم (استتار الحرم) فإن كن مستترات بالثياب، أو في منعطف لا يراهن الناظر لم يجز رميه لعدم اطلاعه عليهن، والأصح عدم اشتراط ذلك لعموم الاخبار، وحسما لمادة النظر فقد يريد ستر حرمه عن الناس