مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٩٨
بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح، وفي رواية صححها ابن حبان والبيهقي: فلا قود ولا دية، والمعنى فيه المنع من النظر وسواء أكانت حرمه مستورة أو في منعطف أم لا، لعموم الاخبار، ولأنه يريد سترها عن الأعين وإن كانت مستورة.
تنبيه: شمل قوله: ومن نظر الرجل والمرأة عند نظرها ما لا يجوز، والخنثى والمراهق وهو كذلك. فإن قيل:
المراهق غير مكلف، ولا يستوفى منه الحدود فكيف يجوز رميه؟ أجيب بأن الرمي ليس للتكليف بل لدفع مفسدة النظر فإذن لا فرق بين المكلف وغيره ممن يحصل به المفسدة، وخرج بقوله: نظر الأعمى، ومن استرق السمع، فلا يجوز رميهما، إذ ليس السمع كالبصر في الاطلاع على العورات وبقوله: حرمه ما إذا كان فيها المالك وحده، فإن فيه تفصيلا وهو إن كان مكشوف العورة فله الرمي، وإلا فلا في الأصح، وإن اختار الأذرعي الرمي مطلقا لعموم الحديث المار، وما إذا كان فيها خنثى مستور العورة فإنه لا يرميه كما قال البلقيني إنه الأقرب. وقال الزركشي:
ينبغي تخريجه على جواز النظر إليه، وهذا أوجه، والضمير في قوله: في داره راجع لمن له الحرم، أما الناظر فلا فرق بين أن يكون الموضع الذي يطلع منه ملكه أو شارعا أو غيره، لأنه لا يحل له الاطلاع، وبقوله: من كوة أو ثقب ما إذا نظر من الباب المفتوح فلا يرميه لتفريط صاحب الدار بفتحه، ولا بد من تقييد الكوة بالصغيرة، أما الكبيرة فكالباب المفتوح، وفي معناها الشباك الواسع العين لتقصير صاحب الدار إلا أن ينذر، فيرميه كما صرح به الحاوي الصغير وغيره.
ويؤخذ من التعليل أنه لو كان الفاتح للباب هو الناظر ولم يتمكن رب الدار من إغلاقه جاز الرمي وهو ظاهر، وحكم النظر من سطح نفسه والمؤذن من المارة كالكوة على الأصح، إذ لا تفريط من صاحب الدار. وبقوله: عمدا ما إذا لم يقصد الاطلاع كأن كان مجنونا أو كان مخطئا أو وقع نظره اتفاقا فإنه لا يرميه إذا علم بذلك صاحب الدار، فإن رماه وادعى المرمي عدم القصد فلا شئ على الرامي لأن الاطلاع حصل والقصد باطن. قال الرافعي: وهذا ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق القصد. وفي كلام الإمام ما يدل على المنع وهو حسن اه‍. وظاهر كما قال شيخنا أن ما ذكر ليس ذهابا لذلك إذ لا يمنع ذلك إن تحقق الامر بقرائن يعرف بها الرامي قصد الناظر ولا يجوز رمي من انصرف عن النظر كالصائل إذا رجع عن صياله. وبقوله: بخفيف الثقيل كالحجر الكبير والنشاب ويضمن إن رمي بذلك بالقصاص أو الدية. نعم لو لم يجد غير ذلك جاز كنظيره في الصيال فيما إذا أمكنه الدفع بالعصا ولم يجد إلا السيف كما نبه عليه الزركشي، ولو لم يمكن رمي عينه أو لم يندفع برميه بالخفيف استغاث عليه فإن لم يكن في محل غوث استحب أن ينشده بالله تعالى ثم له ضربه بالسلاح وما يردعه. ويستثنى من إطلاقهم الناظر صورتان: الأولى ما لو كان أحد أصوله الذين لا قصاص عليهم ولا حد قذف فلا يجوز رميه كما قاله الماوردي والروياني، لأنه نوع حد، فإن رماه وفقأه ضمن.
الثانية ما إذا كان النظر مباحا له لخطبة ونحوها بشرطه كما قاله البلقيني وغيره، ولمستأجر الدار رمي المالك وهل يجوز للمستعير رمي المعير؟ وجهان في أصل الروضة بلا ترجيح. وقال الأذرعي وغيره: الأقوى الجواز ولو كان في دار مغصوبة أو مسجد أو شارع مكشوف العورة، أو هو وأهله فلا يجوز رميه، لأن الموضع لا يختص به. والخيمة في الصحراء كالبيت في البنيان وإنما يجوز رمي الناظر (بشرط عدم محرم وزوجة للناظر) فإن كان له شئ من ذلك حرم رميه لأن له في النظر شبهة كما لا يقطع بسرقة المال المشترك.
تنبيه: الواو في عبارته بمعنى أو، فإن أحدهما كاف ومثل الزوجة الأمة، ويرد على طرده ما لو كان له هناك متاع فإنه لا يجوز رميه كما جزما به في الشرح والروضة، وعلى عكسه ما لو كان له هناك محرم ولكن متجردة فإنه يجوز رميه إذ ليس له النظر إلى ما بين سرتها وركبتها. ثم أشار لاعتبار شرطين آخرين على مرجوح أحدهما ما تضمنه قوله (قيل: و) بشرط عدم (استتار الحرم) فإن كن مستترات بالثياب، أو في منعطف لا يراهن الناظر لم يجز رميه لعدم اطلاعه عليهن، والأصح عدم اشتراط ذلك لعموم الاخبار، وحسما لمادة النظر فقد يريد ستر حرمه عن الناس
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548