تنبيه: محل الخلاف بالنسبة إلى الآحاد، أما الإمام وغيره من الولاة فيجب ذلك عليهم قطعا، وقضية الوجوب أو الجواز عدم الضمان وهو ظاهر، وإن قال الشيخ أبو حامد: من قتل غيره دفعا عن مال غيره كان عليه الضمان. ومحله أيضا إذا كان المصول عليه غير نبي، أما هو فيجب الدفع عنه قطعا كما قاله الفوراني. قال الإمام: ولا يختص الخلاف بالصائل بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره فلبعض الآحاد منعه، ولو أتى على النفس كما قال الرافعي: إنه الموجود في كتب المذهب حتى قالوا: لو ظهر في بيت خمر يشرب أو طنبور يضرب أو نحوهما، فله الهجوم على متعاطيه لازالته نهيا عن المنكر، وإن لم ينتهوا فله قتالهم، وإن أتى على النفس وهو مثاب على ذلك، والغزالي ومن تبعه عبروا هنا بالوجوب ولا ينافيه تعبير الأصحاب بالجواز إذ ليس مرادهم أنه مخير فيه، بل إنه جائز بعد امتناعه قبل ارتكاب ذلك وهو صادق الوجوب، وقضية كلام المصنف أنه لا يجب الدفع عن مال الغير، لكن قال الغزالي: مهما قدر على حفظ مال غيره من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه، أو خسران في ماله، أو نقصان في جاهه وجب عليه، وهو أقل درجات حقوق المسلم، وهو أولى بالايجاب من رد السلام، ولا خلاف أن مال الانسان إذا كان يضيع بظلم ظالم وكان عنده شهادة وجب عليه أداؤها ويعصى بتركها. (ولو سقطت جرة) مثلا وهي - بفتح الجيم -:
إناء من فخار على إنسان (ولم تندفع عنه إلا بكسرها) جاز له، بل صرح البغوي بوجوبه صيانة لروحه، ولا ينافي ذلك الجواز كما مر، وإذا كسرها (ضمنها في الأصح) إذ لا قصد لها ولا اختيار حتى يحال عليها، فصار كالمضطر إلى طعام غيره يأكله ويضمنه. والثاني لا، لأنه دافع للضرر عن نفسه، وصححه البلقيني تنزيلا لها منزلة البهيمة الصائلة، وفرق الأول بأن البهيمة لها نوع اختيار.
تنبيه: محل الخلافة أن تكون موضوعة بمحل غير عدوان، فإن كان موضوعة بمحل عدوان كأن وضعت بروشن، أو على معتدل لكنها مائلة أو على حالة يغلب فيها سقوطها لم يضمنها قطعا، قاله الزركشي، لكن لو أبدل قوله عدوان بيضمن به كان أولى، ويضمن بهيمة لم يمكن جائعا وصوله إلى طعامه إلا بقتلها وقتلها لأنها لم تقصده وقتله لها لدفع الهلاك عن نفسه بالجوع فكان كأكل المضطر طعام غيره فإنه موجب للضمان. فإن قيل: يمكن أن يجعل الأصح هنا نفي الضمان، كما لو عم الجراد المسالك فوطئها المحرم وقتل بعضها فإنه لا ضمان عليه. أجيب بأن الحق ثم لله تعالى، وهنا للآدمي. ثم بين كيفية دفع الصائل بقوله (ويدفع الصائل بالأخف) فالأخف إن أمكن، والمعتبر غلبة الظن (فإن أمكن) دفعه (بكلام واستغاثة) - بغين معجمة ومثلثة - بالناس (حرم الضرب) أي الدفع به (أو) أمكن دفعه (بضرب بيد حرم سوط، أو) أمكن دفعه (بسوط حرم عصا، أو) أمكن دفعه (بقطع عضو حرم قتل) لأن ذلك جوز للضرورة، ولا ضرورة في الاثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأسهل ولو اندفع شره كأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله، أو حال بينهما جدار أو خندق لم يضربه كما صرح به في الروضة. وفائدة الترتيب المذكور أنه متى خالف وعدل إلى رتبة مع إمكان الاكتفاء بما دونها ضمن. ويستثنى من مراعاة الترتيب مسائل: الأولى: لو التحم القتال بينهما واشتد الامر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب كما ذكره الإمام في قتال البغاة. الثانية: ما سيأتي في النظر إلى الحرم أنه يرمي بالحصاة قبل الانذار على خلاف فيه يأتي. الثالثة: لو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا والمصول عليه لا يجد إلا السيف فالصحيح أن له الضرب به لأنه لا يمكنه الدفع إلا به، وليس بمقصر في ترك استصحاب السوط ونحوه. الرابعة: إذا رآه يولج في أجنبية فله أن يبدأ بالقتل، وإن اندفع بدونه فإنه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالأناة كذا قاله الماوردي والروياني وهو مردود لقول الشيخين في الروضة وأصلها: إذا وجد رجلا يزني بامرأته أو غيرها لزمه