وقيل لا بد من اثنين لأنهما أقل الجماعة، وقيل من ثلاثة لأنهم أقل الجمع، وقيل من أربعة لأنهم أكثر نصاب الشهادة، وقيل من خمسة غير البائع كأهل الشورى، وقيل من أربعين لأنه أشد خطرا من الجمعة، وهل يشترط لانعقادهم إشهاد شاهدين أو لا؟ حكى في الروضة عن الإمام عن الأصحاب الأول لئلا يدعي عقد سابق، ولان الإمامة ليست دون النكاح، وقيل إن عقدها واحد اشترط الاجهاد، أو جمع فلا، وجرى على هذا ابن المقري (وشرطهم) أي المباعين (صفة الشهود) من العدالة وغيرها مما يأتي.
تنبيه: قضية كلامه عدم اشتراط الاجتهاد وهو كذلك وما في الروضة كأصلها من أنه يشترط أن يكون المبايع مجتهدا إن اتحد، وأن يكون فيه مجتهدا إن تعدد مفرع على اشتراط العدد، والمراد بالمجتهد هنا المجتهد بشروط الإمامة لا أن يكون مجتهدا مطلقا كما صرح به الزنجاني في شرح الوجيز. (و) ثانيهما ينعقد (باستخلاف الإمام) شخصا عينه في حياته ليكون خليفته بعده، ويعبر عنه بعهدت إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله تعالى عنهما، بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله (ص) عند آخر عهده من الدنيا وأول عهده بالآخرة في الحالة التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل فذاك علمي به وعلمي فيه، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * وانعقد الاجماع على جوازه.
تنبيه: لا بد أن يكون الإمام كما قال الأذرعي وغيره جامعا لشروط الإمامة، فلا عبرة باستخلاف الجاهل والفاسق، وأن يقبل الخليفة في حياة الإمام، وإن تراخى عن الاستخلاف كما اقتضاه كلام الروضة، وإن بحث البلقيني اشتراط الفور، فإن أخره عن الحياة رجع ذلك إلى الايصاء وسيأتي حكمه، وعليه أن يتحرى الأصلح للإمامة بأن يجتهد فيه، فإذا ظهر له واحد ولاه، وله جعل الخلافة لزيد، ثم بعده لعمرو، ثم بعده لبكر، وتنتقل على ما رتب كما رتب رسول الله (ص) أمراء جيش مؤتة، فإن مات الأول في حياة الخليفة فالخلافة للثاني، وإن مات الثاني أيضا فهي للثالث، وإن مات الخليفة وبقي الثلاثة أحياء وانتصب الأول كان له أن يعهد بها إلى غير الأخيرين، لأنها لما انتهت إليه صار أملك بها بخلاف ما إذا مات ولم يعهد إلى أحد، فليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني ويقدم عهد الأول على اختيارهم. ولا يشترط في الاستخلاف رضا أهل الحل والعقد في حياته أو بعد موته، بل إذا ظهر له واحد جاز بيعته من غير حضور غيره ولا مشاورة أحد كما نقله في الروضة عن الماوردي وقطع به الإمام. (فلو جعل) الإمام (الامر) في الخلافة (شورى) هو مصدر بمعنى التشاور (بين جمع فكاستخلاف) حكمه إلا أن المستخلف غير معين (فيرتضون أحدهم) بعد موت الإمام فيعنونه للخلافة كما جعل عمر رضي الله تعالى عنه الامر شورى بين ستة: علي والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة، فاتفقوا على عثمان رضي الله عنه.
أما قبل موته فليس لهم أن يعينوه إلا بإذنه، فإن خافوا تفرق الامر وانتشاره بعده استأذنوه، ولو امتنع أهل الشورى من الاختيار لم يجبروا عليه وكأنه لم يعهد، وكذلك لو امتنع المعهود إليه من القبول.
تنبيه: لو أوصى بها جاز كما لو استخلف لكن قبول الموصى له إنما يكون بعد موت الموصي، وقيل لا يجوز لأنه بالموت يخرج عن الولاية ويتعين من اختياره للخلافة بالاستخلاف أو الوصية مع القبول، فليس لغيره أن يعين غيره. وإن استعفى الخليفة أو الموصى له بعد القبول لم ينعزل حتى يعفي ويوجد غيره، فإن وجد غيره جاز استعفاؤه وإعفاؤه وخرج من العهد باستجماعهما وإلا امتنع وبقي العهد لازما، ويجوز العهد إلى الوالد والولد كما يجوز إلى غيرهما كما جزم به صاحب الأنوار وابن المقري، وقيل: يمتنع ذلك كالتزكية والحكم، وقيل تجوز للوالد دون الولد لشدة الميل إليه.
فرع: لو صلح للإمامة واحد فقد تعين أو اثنان استحب لأهل العقد والحل تقديم أسنهما في الاسلام ثم