أمور: أحدها (كونه مسلما) ليراعي مصلحة الاسلام والمسلمين، فلا تصح تولية كافر ولو على كافر. ثانيها كونه (مكلفا) ليلي أمر الناس، فلا تصح إمامة صبي ومجنون بإجماع، لأن المولى عليه في حضانة غيره فكيف يلي أمر الأمة، وفي الحديث: نعوذ بالله من إمارة الصبيان رواه الإمام أحمد. ثالثها: كونه (حرا) ليكمل ويهاب، بخلاف من فيه رق، ولأنه مشغول بخدمة غيره، وما رواه مسلم من قوله (ص): اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي فمحمول على غير الإمامة العظمى. رابعها كونه (ذكرا) ليتفرغ ويتمكن من مخالطة الرجال، فلا تصح ولاية امرأة، لما في الصحيح:
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ولا ولاية خنثى وإن بانت ذكورته كما ذكروه في تولية القاضي فالإمام أولى. خامسها كونه (قرشيا) لخبر النسائي: الأئمة من قريش وبه أخذ الصحابة ومن بعدهم. هذا عند تيسر قرشي جامع للشروط، فإن عدم فمنتسب إلى كنانة، فإن عدم فرجل من ولد إسماعيل (ص) فإن عدم فرجل جرهمي كما في التتمة. وجرهم أصل العرب، ومنهم تزوج سيدنا إسماعيل حين أنزله أبوه (ص) أرض مكة، فإن عدم فرجل من ولد إسحق (ص) ثم إلى غيرهم، ولا يشترط كونه هاشميا باتفاق، فإن الصديق وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا من بني هاشم. سادسها كونه عدلا، ولو ذكره بدل مسلما لعلم منه كونه مسلما. قال الشيخ عز الدين: وإذا تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقا. سابعها كونه عالما (مجتهدا) ليعرف الأحكام ويعلم الناس ولا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث لأنه بالمراجعة والسؤال يخرج عن رتبة الاستقلال. ثامنها كونه (شجاعا) - بتثليث المعجمة - والشجاعة قوة القلب عند البأس لينفرد بنفسه ويدبر الجيوش ويقهر الأعداء ويفتح الحصون. تاسعها كونه (ذا رأي) يفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح الدنيوية فهو ملاك الأمور.
قال المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان ولربما قهر الفتى أقرانه بالرأي لا بتطاول الاقران وقد كان العباس بن عبد المطلب يضرب به المثل في سداد الرأي (و) عاشرها كونه ذا (سمع وبصر ونطق) ليتأتى منه فصل الأمور، ولا يضر ثقل السمع والتتمة ولا كونه أعشى العين لأن عجزه حال الاستراحة ويرجى زواله. وأما ضعف البصر فإن منع تمييز الاشخاص منع، وإلا فلا.
تنبيه: فهو من اشتراطه البصر جواز كونه أعور وهو كذلك، وإن خالف في ذلك الروياني، ومن اقتصاره على ما ذكر أنه لا يؤثر فقد شم وذوق وهو كذلك كما جزم به في زوائد الروضة، ويشترط فيه أيضا أن لا يكون به نقص يمنع استيفاء حركة النهوض كالنقص في اليد والرجل كما صححه في الروضة. ولا يشترط كونه معصوما، لأن العصمة للأنبياء، ولا يضر قطع ذكر وأنثيين واعلم أن هذه الشروط كما تعتبر في الابتداء تعتبر في الدوام إلا العدالة فإنه لا ينعزل بالفسق في الأصح ولا الجنون المتقطع، إذا كان زمن الإفاقة أكثر قاله الماوردي. وإلا في قطع إحدى اليدين والرجلين فلا يؤثر في الدوام، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، فعلم من ذلك أنه ينعزل بالعمى والصمم والخرس والمرض الذي ينسيه العلوم. ثم شرع في القسم الثاني وهو بيان انعقاد طرق الإمامة بقوله: (وتنعقد الإمامة) بثلاثة طرق. أحدها (بالبيعة) - بفتح الموحدة - كما بايع الصحابة أبا بكر رضي الله تعالى عنهم أجمعين، واختلف في عدد المبايع (والأصح) لا يتعين عدد، بل المعتبر (بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم) لأن الامر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس، ولا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد من سائر الأقطار البعيدة ولا يشترط عدد كما يوهمه كلامه، بل لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته ولزمه الموافقة والمتابعة،