قطعه بأمور (بنية) كفر، وذكر النية مزيد على المحرر والشرحين والروضة ليدخل من عزم على الكفر في المستقبل فإنه يكفر حالا، لكن كان ينبغي على هذا التعبير العزم، فقد قال الماوردي: إن النية قصد الشئ مقترنا بفعله، فإن قصده وتراخى عنه فهو عزم وسيأتي في كلام المصنف التعبير بالعزم (أو) قطع الاسلام بسبب (قول كفر أو فعل) مكفر فقوله: قطع جنس يشمل قطع الاسلام وغيره من المعاني. وقوله الاسلام فصل يخرج به قطع غيره من العبادات كالصلاة والصوم والحج فلا يكون ذلك كفرا، وقوله بنية إلخ أشار به إلى أن القطع يكون بأحد هذه الأمور الثلاثة، وأورد عليه أن الردة تحصل وإن لم يوجد قطع: كما لو تردد في أنه يخرج من الاسلام أو يبقى فإنه ردة على ما سيأتي، وكذا من علق بين مرتدين فإنه مرتد على الأصح عند المصنف. وهذا الثاني غير وارد فإنه لم يرتد، وإنما ألحق بالمرتد حكما ولا يرد الكافر المنتقل من دين إلى آخر وإن كان لا يقبل منه إلا الاسلام لأنه لا يسمى مرتدا شرعا وإنما يعطى حكم المرتد. ثم قسم القول ثلاثة أقسام بقوله: (سواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا) لقوله تعالى: * (قل بالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفر تم بعد إيمانكم) * وكان الأولى تأخير القول في كلامه عن الفعل، لأن التقسيم فيه وخرج بذلك من سبق لسانه إلى الكفر، أو أكره عليه، فإنه لا يكون مرتدا، وكذا الكلمات الصادرة من الأولياء في حال غيبتهم، ففي أمالي الشيخ عز الدين بن عبد السلام أن الولي إذا قال: أنا الله، عزر التعزير الشرعي، ولا ينافي الولاية لأنهم غير معصومين، وينافي هذا القول القشيري: من شرط الولي أن يكون محفوظا، كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع، فالولي الذي توالت أفعاله على الموافقة. وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال: أنا الحق فتوقف فيه وقال: هذا رجل خفي علي أمره وما أقول فيه شيئا، وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو الجنيد وفقهاء عصره، وأمر المقتدر بضربه ألف سوط فإن مات، وإلا ضرب ألفا أخرى، فإن لم يمت قطعت يداه ورجلاه ثم يضرب عنقه، ففعل به جميع ذلك لست بقين من ذي الحجة سنة تسع وثلاثمائة، والناس مع ذلك مختلفون في أمره، فمنهم من يبالغ في تعظيمه، ومنهم من يكفره لأنه قتل بسيف الشرع، وجرى ابن المقري تبعا لغيره على كفر من شك في كفر طائفة ابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم، ولكن كلام هؤلاء جار على اصطلاحهم، إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره، والمعتقد منهم لمعناه معقد لمعنى صحيح، وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يعرف، فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافرا، وسيأتي الكلام على هذا أيضا في كتاب السير إن شاء الله تعالى، وخرج أيضا ما إذا حكى الشاهد لفظ الكفر، لكن الغزالي ذكر في الاحياء أنه ليس له حكايته إلا في مجلس الحكم فليتفطن له. فإن قيل: قوله أو قول كفر فيه دور، فإن الردة أحد نوعي الكفر فكيف يقول أو قول كفر؟ أجيب بأن المراد بالكفر في أحد الكفر الأصلي.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يقول يقول بنية كفر أو قول أو فعل ليكون حذف لفظة كفر من الآخر لدلالة الأول عليه، وتعبيره لا يتناول كفر المنافق فإنه لم يسبق له إسلام صحيح (فمن نفى) أي أنكر الصانع وهو الله سبحانه، وهم الدهرية الزاعمون أن العالم لم يزل موجودا كذلك بلا صانع. فإن قيل: إطلاق (الصانع) على الله تعالى لم يرد في الأسماء الحسنى، وإنما ذلك من عبارات المتكلمين المجوزين الاطلاق بالاشتقاق والراجح أن أسماءه تعالى توقيفية.
أجيب بأن البيهقي رواه في الأسماء والصفات وقال تعالى * (صنع الله الذي أتقن كل شئ) * وقال (ص) إن الله صنع كل صانع وصنعته رواه الحاكم في أوائل المستدرك من حديث حذيفة وقال: إنه صحيح على شرط مسلم. ونفي ما هو ثابت لله تعالى بالاجماع كالعلم والقدرة أو أثبت ما هو منفي عنه بالاجماع كحدوثه أو قدم العالم كما قاله الفلاسفة، قال المتولي: أو أثبت له لونا أو اتصالا أو انفصالا.
تنبيه: اختلف في كفر المجسمة. قال في المهمات: المشهور عدم كفرهم، وجزم في شرح المهذب في صفة