في إزالة الشبهة أمهلهم ليتضح لهم الحق، وإن ظهر لهم أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم وانتظار مددهم لم يمهلهم، وإن سألوا ترك القتال أبدا لم يجبهم.
تنبيه: قضية كلامه أن مدة الامهال لا تتقيد وهو كذلك، بل ترجع إلى ما يراه الإمام، وفي التهذيب كيوم أو يومين، وفي المهذب ثلاثة أيام، وقضيته أيضا مراعاة هذا التدريج في القتال وهو كذلك وبه صرح الإمام فقال: سبيله سبيل دفع الصائل من الاقتصار على الأدنى فالأدنى (ولا يقاتل مدبرهم) إذا وقع قتال، ولا من ألقى سلاحه وأعرض عن القتال (ولا مثخنهم) بفتح المعجمة اسم مفعول من أثخنه الجرح إذا أضعفه (و) لا (أسيرهم) إذا كان الإمام يرى رأينا فيهم لقوله تعالى: * (حتى تفئ) * والفيئة الرجوع عن القتال بالهزيمة. روى ابن أبي شيبة بإسناد حسن أن عليا رضي الله عنه أمر مناديه يوم الجمل فنادى: لا يتبع مدبر، ولا يذفف على جريح، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ولان قتالهم شرع للدفع عن منع الطاعة وقد زال أما إذا كان لا يرى ذلك فلا اعتراض عليه، ويستثنى من إطلاق المصنف المدبر المتحرف للقتال، أو المتحيز إلى فئة قريبة فيقاتلان، بخلاف المتحيز إلى فئة بعيدة، وما إذا انهزموا مجتمعين تحت راية زعيمهم، فإنهم يقاتلون حتى يرجعوا إلى الطاعة. قال الإمام: أو يتبددوا.
تنبيه: عبر في المحرر في المدبر بالقتال، وفي الآخرين بالقتل، وهو أولى من تعبير المصنف، لأن المثخن والأسير لا يقاتلان، وقد يفهم من منع قتل هؤلاء وجوب القصاص بقتلهم، والأصح أنه لا قصاص لشبهة أبي حنيفة (ولا يطلق) أسيرهم بل يحبس كما صرح به الماوردي وغيره، إذ بحبسه تضعف البغاة (وإن كان صبيا وامرأة) وعبدا (حتى تنقضي الحرب و) تؤمن غائلتهم بأن (يتفرق جمعهم) لينكشف شرهم ولا يتوقع عودهم.
تنبيه: ظاهر عبارته استمرار حبسهم إلى أن (يتفرق جمعهم) ومحله في الرجل الحر المتأهل للقتال وكذا الصبي والمرأة والعبد والشيخ الفاني إن كانوا مقاتلين كما قاله الإمام وغيره في الأولين، ويلحق بهما الآخران، وإلا أطلقوا بمجرد انقضاء الحرب وإن خفنا عودهم (إلا أن يطيع) الأسير (باختياره) بمبايعة الإمام والرجوع عن البغي إلى الطاعة فيطلق قبل ذلك.
تنبيه: هذا الاستثناء خاص بالرجل الحر، أما الصبيان والنساء والعبيد فلا بيعة لهم (ويرد) وجوبا (سلاحهم وخيلهم) وغيرهما (إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم) أي شرهم بتفرقهم أو ردهم للطاعة لزوال المحذور حينئذ.
تنبيه: فهم من رد السلاح والخيل إليهم غيرهما من الأموال التي ليست عونا لهم في القتال من باب أولى (ولا يستعمل) أي يحرم استعمال شئ من سلاحهم وخيلهم أو غيرهما من أموالهم (في قتال) وغيره لعموم قوله (ص) لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. (إلا لضرورة) كما إذا خيف انهزام أهل العدل ولم يجدوا غير خيولهم فيجوز لهم ركوبها وكذا إن لم يجدوا ما يدفعون به عنهم غير سلاحهم.
تنبيه: قضية ذلك وجوب أجرة استعمالها في القتال للضرورة كالمضطر إذا أكل طعام غيره، إنه يلزمه بدله، والأوجه كما اقتضاه كلام الأنوار خلافا لما مر من أنه لا ضمان لما يتلف في القتال وتفارق مسألة المضطر بأن الضرورة فيها نشأت من المضطر بخلافه في مسألتنا فإنها إنما نشأت من جهة المالك (ولا يقاتلون بعظيم كنار ومنجنيق) وإرسال سيل وأسود وحيات ونحوها من المهلكات لأن المقصود من حالهم ردهم إلى الطاعة كما مر، وقد يرجعون فلا يجدون للنجاة سبيلا، وفي الحديث الصحيح: لا يعذب بالنار إلا ربها.
تنبيه: لو عبر بما يعم لكان أولى، لأن آلة الحرب قد تعظم ولكن لا تعم، وليس المنع إلا مما يعم لأنه قد