كان الأولى أن يعبر كما في المحرر بقتل المرتد إن لم يتب رجلا كان أو امرأة، لأن خلاف أبي حنيفة في قتلها، لا في استتابتها، فإنه قال: تحبس وتضرب إلى أن تموت أو تسلم (وفي قول تستحب) استتابته (كالكافر) الأصلي. فإن قيل:
يدل لذلك أنه (ص) لم يستتب العرنيين. أجيب بأنهم حاربوا، والمرتد إذا حارب لا يستتاب (وهي) أي الاستتابة على القولين معا (في الحال) في الأظهر، فإن تاب وإلا قتل، لأن قتله المرتب عليها حد، فلا يؤخر كسائر الحدود، وقد مر أن السكران يسن تأخيره إلى الصحو، ولو سأل المرتد إزالة شبهة نوظر بعد إسلامه لا قبله، لأن الشبهة لا تنحصر، وهذا ما صححه الغزالي كما في نسخ الرافعي المعتمدة وهو الصواب، ووقع في أكثر نسخ الروضة تبعا لنسخ الرافعي السقيمة أن الأصح عند الغزالي المناظرة أولا، والمحكي عن النص عدمها، وإن شكا قبل المناظرة جوعا أطعم ثم نوظر (وفي قول) يمهل فيها على القولين (ثلاثة أيام) لاثر عن عمر رضي الله تعالى عنه في ذلك، وأخذ به الإمام مالك.
وقال الزهري: يدعى إلى الاسلام ثلاث مرات، فإن أبى قتل، وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه يستتاب شهرين.
وقال النخعي والثوري: يستتاب أبدا، وعلى التأخير يحبس مدة الامهال ولا يخلى سبيله. (فإن) لم يتب الرجل والمرأة عن الردة: بل (أصرا) عليها (قتلا) لقوله (ص): من بدل دينه فاقتلوه رواه البخاري، ويقتله الإمام أو نائبه إن كان حرا لأنه قتل مستحق لله تعالى فكان للإمام ولمن أذن له كرجم الزاني، هذا إن لم يقاتل، فإن قاتل جاز قتله لكل من قدر عليه، ويجوز للسد فتل رقيقه المرتد على الأصح، ويقتل بضرب العنق دون الاحراق ونحوه للامر بإحسان القتلة، فإن خالف وقتله بغيره أو قتله غير الإمام أو نائبه بغير إذنه عزر الأول لعدوله عن المأمور به. والثاني لافتياته ولا شئ عليه من قصاص أو دية. نعم قتله مرتد قتل به كما مر في الجنايات. قال الماوردي:
ولا يدفن المرتد في مقابر المسلمين لخروجه بالردة عنهم، ولا في مقابر الكفار لما تقدم له من حرمة الاسلام اه. والذي يظهر أن حرمة الاسلام انقطعت بموته كافرا فلا مانع من دفنه في مقابر الكفار، قد مر أن الردة أفحش الكفر (وإن) كان كل من الرجل والمرأة ارتدا إلى دين لا تأويل لأهله كعبدة الأوثان ومنكري النبوات، ومن يقر بالتوحيد وينكر نبوة محمد (ص) ثم (أسلم صح) إسلامه إذا أتى بالشهادتين، قال ابن النقيب في مختصر الكفاية: وهما أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وهذا يؤيد من أفتى من بعض المتأخرين بأنه لا بد أن يأتي بلفظ في أشهد الشهادتين، وإلا لا يصح إسلامه. وقال الزنكلوني في شرح التنبيه: وهما لا إله إلا الله محمد رسول الله، وظاهره أن لفظه أشهد لا تشترط في الشهادتين، وهو يؤيد من أفنى بعدم الاشتراط، وهي واقعة حال اختلف المفتون في الافتاء في عصرنا فيها، والذي يظهر لي أن ما قاله ابن النقيب محمول على الكمال، وما قاله الزنكلوني محمول على أقل ما يحصل به الاسلام، فقد قال (ص): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله رواه البخاري ومسلم، ولا بد من ترتيب الشهادتين بأن يؤمن بالله ثم رسوله، فإن عكس لم يصح ما في المجموع في الكلام على ترتيب الوضوء، وقال الحليمي:
إن الموالاة بينهما لا تشترط، فلو تأخر الايمان بالرسالة عن الايمان بالله تعالى مدة طويلة صح، قال: وهذا بخلاف القبول في البيع والنكاح، لأن حق المدعو إلى دين الحق أن يدوم ولا يختص بوقت دون وقت فكأن العمر كله بمنزلة المجلس (و) إذا قال كل منهما ذلك (ترك) ولو كان زنديقا، أو تكرر ذلك منه، ولا يشترط مضي مدة الاستبراء لقوله تعالى * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) *. نعم يعزر من تكرر ذلك منه لزيادة تهاونه بالدين فيعزر في المرة الثانية فما بعدها، ولا يعزر في المرة الأولى، وحكى ابن يونس الاجماع عليه. وقال أبو حنيفة: إنما يعزر في الثالثة ونقل عن أبي إسحق المروزي أنه يقتل في الرابعة. قال الإمام: وعد هذا من هفواته اه. ولا يصح هذا عن أبي إسحق، وإنما هو منسوب لإسحاق بن راهويه كما قاله القاضي حسين وغيره.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يثني أسلم، وترك ليوافق ما قبله، ولكن يحصل بما قدرته (وقيل لا يقبل)