لأنه ظهر منه ما يدل على التجسم، والمشهور أنا لا نكفر المجسمة، وفيها أيضا عن القاضي عياض: أنه لو شفي مريض ثم قال: لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لم أستوجبه، فقال بعض العلماء: يكفر ويقتل لأنه يتضمن النسبة إلى الجور، وقال آخرون: لا يتحتم قتله ويستناب ويعزر اه. وقال المحب الطبري: الأظهر أنه لا يكفر، وقال صاحب الأنوار في مسألة: لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها أنه يكفر، والأولى كما قال الأذرعي: أنه إن قال ذلك استخفافا أو استغناء كفر، وإن أطلق فلا. وقال الأسنوي في مسألة من صلى بنجس ما اقتضاه كلامه من كفر من استحل الصلاة بنجس ممنوع فإنه ليس مجمعا على تحريمها، بل ذهب جماعة من العلماء إلى الجواز كما ذكره المصنف في مجموعه اه. وحيث كان كذلك فلا يكفر.
فائدة: لا بدع ولا إشكال في العبارة المعزوة إلى إمامنا الشافعي رضي الله عنه في قوله: أنا مؤمن إن شاء الله فهي مروية عن عمر، وصحت عن ابن مسعود وهي قول أكثر السلف والشافعية والمالكية والحنابلة وسفيان الثوري والأشعرية، وحكي عن أبي حنيفة إنكارها. قال الدميري: وهو عجيب لأنها صحت عن ابن مسعود وهو شيخ شيخ شيخ شيخه، والقائلون بجواز قولها اختلفوا في الوجوب، وذكر العلماء لها محامل كثيرة، والصواب عدم الاحتياج إلى تلك المحامل لأن حقيقة أنا مؤمن هو جواب الشرط أو دليل الجواب، وكل منهما لا بد أن يكون مستقبلا، فمعناه أنا مؤمن في المستقبل إن شاء الله، وحينئذ لا حاجة إلى تأويل، بل تعليقه واضح مأمور به بقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * ويعتبر فيمن يصير مرتدا بشئ مما مر أن يكون مكلفا مختارا (و) حينئذ (لا تصح ردة صبي) ولو مميزا (و) لا ردة (مجنون) تكليفهما، فلا اعتداد بقولهما واعتقادهما.
تنبيه: المراد أنه لا يترتب عليهما حكم الردة وإلا فالردة فعل معصية كالزنا فكيف يوصف بالصحة عدمها (و) لا ردة (مكره) وقلبه مطمئن بالايمان كما نص عليه الكتاب العزيز فإن رضي بقلبه فمرتد.
تنبيه: لو تجرد قلبه عند الاكراه على التلفظ عن اعتقاد إيمان وكفر، ففي كونه مرتدا وجهان، وينبغي أن لا يكون مرتدا لأن الايمان كان موجودا قبل الاكراه، وقول المكره ملغى ما لم يحصل منه اختيار لما أكره عليه كما لو أكره على الطلاق فإن العصمة كانت موجودة قبل الاكراه، فإذا لم يحصل منه اختيار لما أكره عليه لم يقع عليه طلاق (ولو ارتد) ولم يستتب (فجن لم يقتل في جنونه) لأنه قد يعقل ويعود إلى الاسلام، فإن قتل مجنونا لم يجب على قاتله شئ كما نقلاه عن التهذيب وأقراه، وقضية هذا أن التأخير مستحب. قال الأسنوي: وهو غير مستقيم، فإن تصحيح وجوب التوبة ينفيه. قال الزركشي: وظاهر نص الام يقتضي وجوب التأخير وهو الوجه اه. وعلى هذا يعزر قاتله لتفويته الاستتابة الواجبة، ويحمل قول المهذب لم يجب شئ، أي من قصاص أو دية.
تنبيه: أشار المصنف بالتعبير بالفاء إلى تعقب الجنون الردة للاحتراز عما إذا ارتد واستتيب فلم يتب، ثم جن فإنه يجوز قتله في حال جنونه، ولو أقر بما يوجب حد الله تعالى، ثم جن لا يقام عليه حينئذ احتياطا لأنه قد يرجع عن الاقرار، فلو استوفى منه حينئذ لم يجب فيه شئ بخلاف ما لو ثبت ببينة أو أقر بقذف أو قصاص ثم جن فإنه يستوفى منه في جنونه لأنه لا يسقط برجوعه (والمذهب صحة ردة السكران) المتعدي بسكره كطلاقه وسائر تصرفاته، وفي صحة استتابته حال سكره وجهان: أحدهما نعم كما تصح ردته وعليه الجمهور، ونقله الرافعي عن النص، وقال العمراني: إنه المذهب المنصوص والأسنوي: أنه المفتى به، لكن يندب تأخيرها إلى الإفاقة خروجا من خلاف من قال بعدم صحة توبته، وهو الوجه الثاني القائل بأن الشبهة لا تزول في تلك الحالة. أما غير المتعدي بسكره كأن أكره على شربها فلا يحكم عليه بالارتداد كما في طلاقه وغيره (و) المذهب صحة (إسلامه) عن ردته، ولو ارتد صاحيا ثم