مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٣٨
أو امرأتين، أو خنثيين، أو بان أحدهما كذلك، (نقضه هو وغيره) لتيقن الخطأ فيه، والمراد إظهار البطلان. قال في أصل الروضة: فإن قيل قد اختلف العلماء في شهادة العبد، فكيف نقض الحكم في محل الخلاف والاجتهاد فيه؟
قلنا: لأن الصورة مفروضة فيمن لا يعتقد الحكم بشهادة العبد وحكم بشهادة من ظنهما حرين فلا اعتداد بمثل هذا الحكم، ولأنه حكم يخالف القياس الجلي، لأن العبد ناقص في الولايات وسائر الأحكام، فكذا في الشهادة. (وكذا فاسقان) ظهر فسقهما عند القاضي ينقض الحكم بهما (في الأظهر) كما في المسائل المذكورة، لأن النص والاجماع دلا على اعتبار العدالة. والثاني: لا ينقض، لأن قبولهما بالاجتهاد، وقبول بينة فسقهما بالاجتهاد، ولا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد.
وعورض بأن الحكم بالاجتهاد ينقض بخبر الواحد العدل مع أن عدالته إنما تثبت بالاجتهاد.
تنبيه: قيد القاضي الحسين والبغوي النقض بما إذا كان الفسق ظاهرا غير مجتهد فيه، فإن كان مجتهدا فيه كشرب النبيذ لم ينقض قطعا، لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. ولو شهد عدلان على فسقهما مطلقين ولم يسندا إلى حالة الحكم لم ينقض القضاء، لاحتمال حدوثه بعد الحكم كما قاله صاحب الكافي واقتضاه كلام الرافعي في باب القضاء على الغائب.
فرع: لو شهد شاهدان ثم فسقا أو ارتدا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهما، لأن ذلك يوقع ريبة فيما مضى، ويشعر بخبث كامن، ولان الفسق يخفى غالبا، فربما كان موجودا عند الشهادة. وإن عميا أو خرسا أو جنا أو ماتا حكم بشهادتهما، لأن هذه الأمور لا توقع ريبة فيما مضى بل يجوز تعديلها بعد حدوث هذه الأمور، ويحكم بشهادتهما.
ولو فسقا أو ارتدا بعد الحكم بشهادتهما وقبل استيفاء المال استوفي، كما لو رجعا عن شهادتهما كذلك. وخرج بالمال الحدود فلا تستوفى. ولو قال الحاكم بعد الحكم: بان لي أنهما كانا فاسقين ولم تظهر بينة بفسقهما نقض حكمه إن جوزنا قضاءه بالعلم، وهو الأصح ولم يتهم فيه. ولو قال: أكرهت على الحكم بشهادتهما وأنا أعلم فسقهما قبل قوله من غير بينة على الاكراه ولو بانا والدين أو ولدين للمشهود له أو عدوين للمشهود له أو عدوين للمشهود عليه انتقض الحكم أيضا كما لو بانا فاسقين. ولو قال الحاكم: كنت يوم الحكم فاسقا فالظاهر كما قال شيخنا أنه لا يلتفت إليه، كما لو قال الشاهدان كنا عند عقد النكاح فاسقين. فإن قيل: هلا كان هذا مثل قوله بان لي فسق الشاهدين أجيب بأنه أعرف بصفة نفسه منه بصفة غيره فتقصيره في حق نفسه أكثر. (ولو شهد كافر) معلن بكفره أو مرتد كما قاله القفال، (أو عبد أو صبي ثم أعادها بعد كماله) بإسلام أو عتق أو بلوغ، (قبلت شهادته) لانتفاء التهمة لأن المتصف بذلك لا يعير برد شهادته. (أو) شهد (فاسق تاب) من فسقه أو عدو تاب من عداوته أو من لا مروءة له ثم عادت مروءته، أو سيد لمكاتبه ثم أعادها بعد العتق، أو مخفي الكفر ثم أعادها بعد إسلامه، (فلا) تقبل للتهمة لأن المتصف بذلك يعير برد شهادته. (وتقبل شهادته) أي الفاسق (في غيرها) أي في غير تلك الشهادة التي شهد بها حال فسقه. وفي بعض نسخ المتن: بغيرها. (بشرط اختباره بعد التوبة مدة يظن صدق توبته) لأن التوبة من أعمال القلوب وهو متهم بإظهارها لتزويج شهادته وعود ولايته فاعتبر الشرع ذلك ليقوى ما ادعاه، قال تعالى في حق القذفة: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) *، وقال تعالى: * (فإن تابا وأصلحا) *. (وقدرها الأكثرون) من الأصحاب (بسنة) لأن لمضيها المشتمل على الفصول الأربعة أثرا بينا في تهييج النفوس لما تشتهيه، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة. وقد اعتبر الشارع السنة في العنة وفي مدة التغريب والزكاة والجزية. وهل السنة تحديد أو تقريب؟ وجهان في الحاوي والبحر رجح البلقيني والأذرعي ومن تبعهما الثاني، وهو الظاهر وإن كان مقتضى كلام الجمهور الأول. واستثنى من اشتراط الاختيار صور: منها مخفي الفسق إذا تاب وأقر وسلم نفسه للحد
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548