مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٠٦
بحبر أو مداد ونحو ذلك ليستدل على صدقهم إن اتفقت كلمتهم وإلا فيقف عن الحكم. وإذا أجابه أحدهم لم يدعه يرجع إلى الباقين حتى يسألهم لئلا يخبرهم بجوابه، فإن امتنعوا من التفصيل ورأي أن يعظهم ويحذرهم عقوبة شهادة الزور وعظهم وحذرهم. فإن أصروا على شهادتهم ولم يفصلوا وجب عليه القضاء إذا وجدت شروطه، ولا عبرة بما يبقى من ريبة. وإنما استحب له ذلك قبل التزكية لا بعدها، لأنه إن اطلع على عورة استغنى عن الاستزكاء والبحث عن حالهم، وإن لم يرتب فيهم ولا توهم غلطهم فلا يفرقهم وإن طلب منه الخصم تفريقهم، لأن فيه غضا منهم.
انتهى. باب القضاء على الغائب عن البلد أو عن المجلس وتوارى أو تعزز، مع ما يذكر معه.
والدعوى على الغائب إما من صاحب الحق أو وكيله كما سيأتي. وبدأ المصنف بالأول فقال: (هو جائز) بشرطه الآتي لعموم الأدلة، ولقول عمر في خطبته: من كان له على الأسيفع - بالفاء المكسورة - مال فليأتنا غدا، فإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه وكان غائبا. ولقوله (ص) لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو قضاء منه على زوجها، ولو كان فتوى لقال: لك أن تأخذي، أو لا بأس عليك أو نحوه، ولم يقل خذي، لأن المفتى لا يقطع، فلما قطع كان حكما. كذا استدلوا به، وقال المصنف في شرح مسلم: لا يصح الاستدلال به، لأن أبا سفيان كان حاضرا بمكة، فإن الواقعة كانت بمكة لما حضرت هند المبايعة. وذكر الرافعي في النفقات ما يدل على أن ذلك كان استفتاء ، قال ابن شهبة: وهو الذي يظهر، لأنه (ص) لم يحلفها، ولم يقدر المحكوم به لها ولم تجر دعوى على ما شرطوه اه‍. ويحتمل أن تكون الواقعة وقعت مرتين. وصح عن عمر رضي الله عنه أنه حكم في امرأة المفقود أنها تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا، وقال ابن حزم: صح عن عثمان القضاء على الغائب. ولا مخالف لهما من الصحابة، ولان البينة مسموعة بالاتفاق على الغائب، فليجب الحكم بها كالبينة المسموعة على الحاضر الساكت. وأيضا فالحكم على الميت والصغير جائز، وهما أعجز عن الدفع من الغائب، ولان في المنع منه إضاعة للحقوق التي ندب الحكام إلى حفظها فإنه لا يعجز الممتنع من الوفاء عن الغيبة. وألحق القاضي حسين بالغائب ما إذا أحضره المجلس فهرب قبل أن يسمع الحاكم البينة أو بعده وقبل الحكم فإنه يحكم عليه قطعا. وإنما يسمع الدعوى ويقضي بها على الغائب (إن) بين المدعي ما المدعي به وقدره ونوعه ووصفه وقال إني طالب بحقي، و (كان) للمدعي (بينة) ولو شاهدا ويمينا فيما يقضي فيه بهما، لأن الدعوى لقصد ثبوت الحق، وطريقه محصورة في إقرار أو يمين مردودة أو بينة، والاولان مفقودان عند غيبة المدعى عليه.
تنبيه: كلامه يوهم جواز الدعوى على الغائب وإن لم يكن عليه بينة، وليس مرادا، فكان الأولى أن يعتبر ذلك في صحة الدعوى كما قدرته في كلامه وإن نازع البلقيني في اشتراط البينة في صحة سماع الدعوى وقال: الدعوى صحيحة بدونه، ولكن لا يحكم القاضي إلا أن يستند قضاؤه إلى الحجة المعتبرة. ولو عبر المصنف بالحجة بدل البينة ليشمل علم القاضي بالواقعة إذا سوغنا الحكم لكان أولى. وقوله: (وادعى المدعي) على الغائب (جحوده) أي الحق المدعى به شرط لصحة الدعوى وسماع البينة على الغائب. ولا يكلف البينة بالجحود بالاتفاق كما حكاه الإمام، ثم استشكله بأنه إن كان يدعي جحوده في الحال فهو محال، لأنه لا يعلم حاله وإن كان يدعي جحوده لما كان حاضرا فالقضاء في الحال لا يرتبط بجحود ماض اه‍. وقد يجاب بأن الأصل استمرار الجحود.
تنبيه: يقوم مقام الجحود ما في معناه، كما لو اشترى عينا وخرجت مستحقة فادعى الثمن على البائع الغائب فلا
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548