مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٩٠
بأن القاضي أجدر بالاحتياط منه. فإن قيل: الرافعي رجح في الكلام على الرشوة جوازه وهنا عدمه. أجيب بأن ما هناك في المحتاج وما هنا في غيره. ولا يجوز عقد الإجارة على القضاء كما مر في بابها وأجرة الكاتب ولو كان القاضي وثمن الورق الذي يكتب فيه المحاضر والسجلات وغيرهما من بيت المال، فإن لم يكن فيه مال أو احتيج إليه إلى ما هو أهم فعلى من له العمل من مدع ومدعى عليه إن شاء كتابة ما جرى في خصومته، وإلا فلا يجبر على ذلك، لكن يعلمه القاضي له أنه إذا لم يكتب ما جرى فقد ينسى شهادة الشهود وحكم نفسه. وللإمام أن يأخذ من بيت المال لنفسه ما يليق به من خيل وغلمان ودار وأمتعة، ولا يلزمه الاقتصار على ما اقتصر عليه النبي (ص) والخلفاء الراشدون والصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين لبعد العهد عن زمن النبوة التي كانت سببا للنصر بالرعب في القلوب، فلو اقتصر اليوم على ذلك لم يطع وتعطلت الأمور. ويرزق الإمام أيضا من بيت المال كل من كان عمله مصلحة عامة للمسلمين كالأمير والمفتي والمحتسب والمؤذن وإمام الصلاة ومعلم القرآن وغيره من العلوم الشرعية والقاسم والمقوم والمترجم وكاتب الصكوك، فإن لم يكن في بيت المال شئ لم يندب أن يعين قاسما ولا كاتبا ولا مقوما ولا مترجما ولا مسمعا ولا مزكيا، وذلك لئلا يغالوا بالأجرة. (ويتخذ درة) بكسر الدال المهملة وتشديد الراء، (للتأديب) اقتداء ب عمر رضي الله تعالى عنه.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أن القاضي لا يؤدب بالسوط، وليس مرادا، بل له ذلك إن أدى إليه اجتهاده.
فائدة: قال الشعبي: كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج. قال الدميري: وفي حفظي من شيخنا أنها كانت من نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ما ضرب بها أحدا على ذنب وعاد إليه. (و) يتخذ (سجنا لأداء حق) الله تعالى أو الآدمي، (ولتعزير) لأن عمر رضي الله تعالى عنه اشترى دارا بمكة بأربعة آلاف درهم وجعلها سجنا، رواه البيهقي وعبد الرازق في مصنفه. وفي البخاري: بأربعمائة.
تنبيه: لو امتنع مديون من أداء ما عليه تخير القاضي من بيع ماله بعير إذنه وبين سجنه ليبيع مال نفسه كما في الروضة في باب التفليس نقلا عن الأصحاب. ولا يسجن والد بدين ولده في الأصح، ولا من استؤجرت عينه لعمل وتعذر عمله في السجن كما في فتاوى الغزالي، ونفقة المسجون في ماله وكذا أجرة السجن والسجان. ولو استشعر القاضي من المحبوس الفرار من حبسه فله نقله إلى حبس الجرائم كما في الروضة وأصلها عن ابن القاص. ولو سجن لحق رجل فجاء آخر وادعى عليه أخرجه الحاكم بغير إذن غريمه ثم رده والحبس لمعسر عذر في ترك الجمعة له. ويتخذ أعوانا ثقات. قال شريح الروياني: وأجرة العين على الطالب إن لم يمتنع خصمه من الحضور، فإن امتنع فالأجرة عليه لتعديه بالامتناع. (ويستحب كون مجلسه) أي القاضي (فسيحا) لأن الضيق يتأذى منه الخصوم، (بارزا) أي ظاهرا ليعرفه من أراده من مستوطن وغريب (مصونا من أذى حر وبرد) بأن يكون في الصيف في مهب الريح وفي الشتاء في كن. ويكون مصونا أيضا من كل ما يؤذى من نحو الروائح والدخان والغبار. (لائقا بالوقت) فيجلس في كل فصل من الصيف والشتاء وغيرهما بما يناسبه، فيجلس في الصيف في مهب الريح وفي الشتاء في كن، وهذا معلوم من قوله قبل: مصونا. ولو عبر بما قاله في المحرر، فإنه قال: لائقا بالوقت لا يتأذى فيه بالحر والبرد، فجعل ذلك مثل اللائق لا صفة أخرى كان أولى. وزاد على المحرر قوله: (والقضاء) كأن يكون دارا (لا مسجد) فيكره اتخاذه مجلسا للحكم، لأن مجلس القاضي لا يخلو عن اللغط وارتفاع الأصوات. وقد يحتاج لاحضار المجانين والصغار والحيض والكفار والدواب والمسجد يصان عن ذلك. وفي مسلم: أنه (ص) حين سمع من ينشد ضالته في المسجد قال: (إن المساجد لم تبن لهذا إنما بنيت له) فإن اتفقت قضية أو قضايا وقت حضوره في المسجد لصلاة أو غيرها فلا بأس بفصلها، وعلى ذلك يحمل ما جاء عنه (ص) وعن خلفائه في القضاء في
(٣٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548