تنبيه: لو حضر إنسان إلى القاضي الجديد وتظلم من المعزول وطلب إحضاره إلى مجلس الحكم لم يبادر بإحضاره بل يقول: ما تريد منه؟ فإن ذكر أنه يدعي عليه دينا أو عينا أحضره. ولا يجوز إحضاره قبل تحقق الدعوى إذ قد لا يكون له حق، وإنما قصد ابتذاله بالحضور. (وإن قال) الشخص (حكم) علي القاضي (بعبدين) أو نحوهما مما لا تقبل شهادته كفاسقين، قال ابن الرفعة: أي وهو يعلم ذلك فإنه لا يجوز وأنا أطالبه بالغرم. (ولم يذكر) رشوة ولا (مالا أحضر) المعزول ليجيب عن دعواه. (وقيل: لا حتى يقيم بينة بدعواه) لأنه كان أمين الشرع. والظاهر من أحكام القضاة جريانها على الصحة فلا يعدل عن الظاهر إلا ببينة. (فإن أحضر) على الوجهين وادعى عليه (وأنكر) بأن قال: لم أحكم عليه أصلا، أو: لم أحكم إلا بشهادة حرين، (صدق بلا يمين في الأصح) لأنه أمين الشرع فيصان منصبه عن الحلف والابتذال بالمنازعات. (قلت: الأصح يمين، والله أعلم) لعموم قوله (ص):
واليمين على من أنكر ولان أقصى درجات المعزل أن يكون مؤتمنا، والمؤتمن كالمودع يحلف. قال الزركشي:
وقد اختلف تصحيح المصنف، فقد صحح الأول في الروضة، والصواب ما صححه هنا فإنه المنصوص. قال الفارقي:
محل الخلاف إذا علم الشاهدان وإلا فينظر فيهما ليعرف حالهما. قال الغزي: وهو متجه في العبد دون الفسقة، لأن الفسق قد يطرأ على العبد اه. وهو ظاهر. (ولو ادعي) بالبناء للمفعول، (على قاض) حال ولايته، (جور في حكم) أو ادعى على شاهد زور، وأريد تحليفه كما سيأتي في الدعاوى، (لم يسمع ذلك، ويشترط بينة) به فلا يحلف فيه واحد منهما لأنهما أمينان شرعا، ولو فتح باب التحليف لاشتد الامر ورغب الناس عن القضاء والشهادة، قال الزركشي: وهذا إذا كان موثوقا به وإلا حلف. وقال الأذرعي: قولهم في توجيه منع التحليف أنه لو حلف الخ أن ذلك مبني على كمال القاضي ووجود أهليته التامة، ونحن نقطع بأن غالب من يلي القضاء في عصرنا لو حلف الواحد كل يوم سبعين مرة على عدم جوره في الحكم وارتشائه لم يرده ذلك عن الحرص على القضاء ودوام ولايته مع ذلك، بل يشتد حرصه وتهافته عليه وطلبه هو وغيره، فإنا لله وإنا إليه راجعون اه. هذا في زمانه، فلو أدرك زماننا، فإن قيل: كيف تشترط البينة مع عدم سماع الدعوى؟ أجيب بأن المراد لم تسمع الدعوى لقصد تحليفه وإن سمعت لأجل البينة، فإن كانت له بينة سمعت لا محالة. (وإن لم تتعلق) تلك الدعوى على قاض (بحكمه) بل يخاصمه نفسه، (حكم بينهما) فيها (خليفته، أو) قاض آخر (غيره) كآحاد الرعايا. قال السبكي: هذا إن كانت الدعوى بما لا يقدح فيه ولا يخل بمنصبه ولا يوجب عزله، وإلا فاقطع بأن الدعوى لا تسمع ولا يحلف ولا طريق للمدعي حينئذ إلا البينة. ثم قال: بل أقول لكل من ثبتت عدالته وادعي عليه بدعوى ينبغي للقاضي أن ينظر فيها وفي إنكار ذلك العدل بها، فإن كان يمكن أن يكون عن سهو وغفلة أو اجتهاد وتأويل ونحوه بحيث لا يخل بعدالته فيسمعها ويقبلها بيمين كغيرها إلا أن يظهر له من المدعى تعنت فيدفعه، وإن كان إنكاره لا يمكن أن يكون إلا قادحا فيه فينبغي أن لا يسمع دعوى المدعي في ذلك وطلب تحليفه إلا أن يأتي ببينة، وذلك لأن ما يدعيه والحالة هذه مخالف لما ثبت من عدالته، وله طريق وهو البينة.
تتمة ليس لأحد أن يدعي على متول في محل ولايته عند قاض أنه حكم بكذا، فإن كان في غير محلها أو معزولا سمعت ولا يحلف، ذكره في الروضة وأصلها، فما تقرر في المعزول مخالف لما صححه هنا كما مر.
فصل: في آداب القضاء وغيرها: (ليكتب الإمام) ندبا (لمن يوليه) القضاء ببلد ما فوضه إليه في كتاب،