مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٧٣
حتى يسأل لأنها من الحقوق المسترعاة. وقد مر في كتاب السير أنه يجب على الإمام أن يولي في كل مسافة عدوى قاضيا كما يجب عليه أن يجعل في كل مسافة قصر مفتيا، وتقدم هناك الفرق بينهما. قال البلقيني: وأما إيقاع القضاء بين المتنازعين ففرض عين على الإمام بنفسه أو نائبه، وإن ترافعا إلى النائب فإيقاع القضاء بينهما فرض عين عليه، ولا يجوز له الدفع إذا كان فيه تعطيل وتطويل نزاع: (فإن تعين) للقضاء واحد في تلك الناحية بأن لم يصلح غيره، (لزمه طلبه) إن لم يعرض عليه للحاجة إليه، ولا يعذر لخوف ميل منه، بل يلزمه أن يطلب ويقبل ويحترز من المال كسائر فروض الأعيان.
تنبيه: محل وجوب الطلب إذا ظن الإجابة كما بحثه الأذرعي، فإن تحقق أو غلب على ظنه عدمها لما علم من فساد الزمان وأئمته لم يلزمه، فإن عرض عليه لزمه القبول، فإن امتنع عصى، وللإمام إجباره على الأصح، لأن الناس مضطرون إلى علمه ونظره فأشبه صاحب الطعام إذا منعه المضطر. فإن قيل: إنه بامتناعه حينئذ يصير فاسقا، ويحمل قولهم على أنه يجبر أنه يؤمر بالتوبة أو لا، فإذا تاب أجبر. أجيب بأنه لا يفسق بذلك لأنه يمتنع غالبا إلا متأولا للتحذيرات الواردة في الباب، واستشعاره من نفسه العجز، وعدم اعتماده على نفسه الامارة بالسوء، وكيف يفسق من امتنع متأولا تأويلا سائغا أداه اجتهاده إليه وأن المنجى له من عذاب الله وسخ طه عدم التلبس بهذا الامر، وقد يرى هو أنه لا يعرف إلا باعترافه، فالوجه عدم فسقه بمجرد امتناعه خوفا على دينه أو غير ذلك من الاعذار الباطنة الخفية علينا، ولا يعصي بذلك أيضا لما ذكر. ولو خلا الزمان عن إمام رجع الناس إلى العلماء، فإن كثر علماء الناحية فالمتبع أعلمهم، فإن استووا وتنازعوا أقرع كما قاله الإمام. (وإلا) بأن لم يتعين للقضاء واحد في تلك الناحية لوجود غيره معه نظرت، (فإن كان غيره أصلح) لتولية القضاء منه (وكان) الأصلح (يتولاه) أي يرضى بتوليته، (فللمفضول) المتصف بصفة القضاء وهو غير الأصلح (القبول) للتولية إذا بذل له من غير طلب في الأصح. (وقيل: لا) يجوز له قبولها. (و) على الأول (يكره طلبه) لوجود من هو أولى منه، (وقيل: يحرم) واستشكله الإمام بأنه إذا كان النصب جائزا فكيف يحرم طلب الجائز؟ ونظير هذا سؤال الصدقة في المسجد، فإنه لا يجوز. ويجوز إعطاؤه على الأصح، إذ الاعطاء باختيار المعطي فالسؤال كالعدم. وعلى الثاني يحرم طلبه.
تنبيه: أشعر قوله: يتولاه تخصيص الخلاف برضاه بالتولية، فإن لم يرض بها فكالعدم، وهو كذلك كما في الروضة وأصلها. ومحله أيضا حيث لا عذر، فإن كان لكون المفضول أطوع في الناس أو أقرب للقلوب أو كان الأفضل غائبا أو مريضا انعقد للمفضول جزما كما قاله الماوردي. (وإن كان) غيره (مثله) وسئل بلا طلب، (فله القبول) لأنه من أهله ولا يلزمه على الأصح لأنه قد يقوم به غيره. وقد امتنع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما سأله عثمان رضي الله عنه القضاء، رواه الترمذي. وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور، فاختفى ثلاثة أيام ودعا الله تعالى فمات في اليوم الثالث. وورد كتاب السلطان بتولية نصر بن علي الجهضمي عشية قضاء البصرة، فقال: أشاور نفسي الليلة وأخبركم غدا، وأتوا عليه من الغد فوجدوه ميتا. وقال مكحول: لو خيرت بين القضاء والقتل اخترت القتل. وامتنع منه الإمام الشافعي رضي الله عنه لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب. وامتنع منه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه. وحكى القاضي الطبري وغيره أن الوزير بن الفرات طلب أبا علي بن خيران لتولية القضاء، فهرب منه فختم على دوره نحوا من عشرين يوما، كما قيل فيه:
وطينوا الباب على أبي علي عشرين يوما ليلي فما ولي وقال بعض القضاة:
وليت القضاء وليت القضاء لم يكن شيئا توليته
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548