استحب وفاء بصلة الرحم وحق الجوار، وروى البخاري عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي (ص)، فمرض فأتاه النبي (ص) يعوده فقعد عند رأسه، فقال: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم، فخرج النبي (ص) وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار، وإلا جازت. ولا فرق بين الأرمد وغيره كما في المجموع، ولا بين الصديق وغيره، ولا بين من يعرفه وغيره لعموم الاخبار. قال الأذرعي: والظاهر أن المعاهد والمستأمن كالذمي، قال: وفي استحباب عيادة أهل البدع المنكرة وأهل الفجور والمكوس إذا لم تكن قرابة ولا جوار ولا رجاء توبة نظر لأنا مأمورون بمهاجرتهم اه. وهو ظاهر، ولتكن العيادة غبا فلا يواصلها كل يوم إلا أن يكون مغلوبا عليه، ومحل ذلك كما في المجموع في غير القريب والصديق ونحوهما مما يستأنس بهم المريض أو يتبرك به أو يشق عليه عدم رؤيتهم كل يوم، أما هؤلاء فيواصلونها ما لم ينهوا أو يعلموا كراهته ذلك. ويخفف العائد المكث عنده بل تكره إطالته، ويطيب عائده نفسه، فإن خاف عليه الموت رغبه في التوبة والوصية ويدعو له وينصرف، ويسن في دعائه: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، سبع مرات، لخبر: من عاد مريضا لم يحضره أجله فقال ذلك عنده عافاه الله من ذلك المرض رواه الترمذي وحسنه. ويكره عيادته إن شقت عليه، ويسن طلب الدعاء منه ووعظه بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله عليه من التوبة وغيرها من الخير، وينبغي له المحافظة على ذلك، قال الله تعالى: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) *. ثم شرع في آداب المحتضر، فقال: (ويضجع المحتضر) وهو من حضره الموت ولم يمت (لجنبه الأيمن) ندبا كالموضوع في اللحد، (إلى القبلة) ندبا أيضا لأنها أشرف الجهات. وقوله: (على الصحيح) يرجع للاضطجاع وسيأتي. مقابله. (فإن تعذر) وضعه على يمينه (لضيق مكان ونحوه) كعلة بجنبه فلجنبه الأيسر كما في المجموع لأن ذلك أبلغ في التوجه من استلقائه. فإن تعذر (ألقي على قفاه ووجهه وأخمصاه) وهما هنا أسفل الرجلين، وحقيقتهما المنخفض من أسفلهما، (للقبلة) بأن يرفع رأسه قليلا كأن يوضع تحت رأسه مرتفع ليتوجه ووجهه إلى القبلة، ومقابل الصحيح أن هذا الاستلقاء أفضل، فإن تعذر اضطجع على الأيمن. (ويلقن) ندبا قبل الاضطجاع كما قاله الماوردي، (الشهادة) وهي لا إله إلا الله فإن أمكن الجمع بين التلقين والاضطجاع فعلا معا كما قاله ابن الفركاح، وإلا بدأ بالتلقين، لخبر مسلم:
لقنوا موتاكم لا إله إلا الله قال في المجموع: أي من قرب موته، وهو من باب تسمية الشئ بما يؤول إليه، كقوله: * ( إني أراني أعصر خمرا) *. وروى أبو داود بإسناد حسن أنه (ص) قال: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. (بلا إلحاح) عليه لئلا يضجر، ولا يقال له قل بل يذكرها بين يديه ليتذكر، أو يقول: ذكر الله تعالى مبارك فنذكر الله جميعا، فإن قالها لم تعد عليه ما لم يتكلم بكلام الدنيا كما قاله الصيمري، بخلاف التسبيح ونحوه لأنه لا ينافي أن آخر كلامه لا إله إلا الله، أي من أمور الدنيا. ويسن أن يكون الملقن غير متهم بإرث أو عداوة أو حسد أو نحو ذلك، فإن لم يحضر غيره لقنه أشفق الورثة ثم غيره، وما يترك التلقين حينئذ لما ذكر. ولا تسن زيادة محمد رسول الله لظاهر الاخبار، وقيل: تسن لأن المقصود بذلك التوحيد، ورد بأن هذا موحد. ويؤخذ منه ما بحثه الأسنوي أنه لو كان كافرا لقن شهادتين وأمر بهما لخبر اليهودي السابق وجوبا كما قال شيخي إن رجى إسلامه وإلا فندبا. وكلامهم يشمل غير المكلف فيسن تلقينه إذا كان مميزا ولا يسن بعد موته، قال الزركشي: لأن التلقين هنا للمصلحة، وثم لئلا يفتن الميت في قبره وهذا لا يفتن. (ويقرأ عنده) سورة (يس) لخبر: اقرأوا على موتاكم يس رواه أبو داود وابن حبان وصححه، وقال: المراد به من حضره الموت، يعني مقدماته، وإن أخذ ابن الرفعة بظاهر الخبر لأن الميت لا يقرأ عليه وإنما يقرأ عنده. والحكمة في قراءتها أن أحوال القيامة والبعث مذكورة فيها فإذا قرئت عنده تجدد له ذكر تلك الأحوال.
واستحب بعض الأصحاب أن يقرأ عنده سورة الرعد لقول جابر: فإنها تهون عليه خروج روحه. ويسن تجريعه بماء بارد كما قاله الجيلي، فإن العطش يغلب من شدة النزع فيخاف منه إزلال الشيطان، إذ ورد أنه يأتيه بماء زلال ويقول له: قل لا إله