ذلك الموضع سواء أكان مقصده أم في طريقه، أو نوى بموضع وصل إليه إقامة أربعة أيام انقطع سفره بالنية مع مكثه إن كان مستقلا. ولو أقام أربعة أيام بلا نية انقطع سفره بتمامها، لأن الله تعالى أباح القصر بشرط الضرب في الأرض، والمقيم والعازم على الإقامة غير ضارب في الأرض، والسنة بينت أن ما دون الأربع لا يقطع السفر، ففي الصحيحين: يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وكان يحرم على المهاجرين الإقامة بمكة ومساكنة الكفار، فالترخص في الثلاث يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة. ومنع عمر أهل الذمة الإقامة في الحجاز ثم أذن للتاجر منهم أن يقيم ثلاثة أيام، رواه مالك بإسناد صحيح. وفي معنى الثلاث ما فوقها ودون الأربعة، وألحق بإقامة الأربعة نية إقامتها. أما لو نوى الإقامة وهو سائر فلا يؤثر لأن سبب القصر السفر، وهو موجود حقيقة، وكذا لو نواها غير المستقل كالعبد ولو مكثا. (ولا يحسب منها) أي الأربعة (يوما دخوله وخروجه) إذا دخل نهارا (على الصحيح) لأن في الأول الحط وفي الثاني الرحيل وهما من أشغال السفر، والثاني: يحسبان كما يحسب في مدة مسح الخف يوم الحدث ويوم النزع. وفرق الأول بأن المسافر لا يستوعب النهار بالسير، وإنما يسير في بعضه وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار بخلاف اللبث فإنه مستوعب للمدة. وعلى القول بأنهما يحسبان إنما يحسبان بالتلفيق لا يومان كاملان، فلو دخل زوال السبت ليخرج زوال الأربعاء أتم، أو قبله قصر، فإن دخل ليلا لم تحسب بقية الليلة ويحسب الغد، ومقامه في هذه الحالة دون ما يقيمه لو دخل نهارا. واختار السبكي مذهب الإمام أحمد أن الرخصة لا تتعلق بعدد الأيام بل بعدد الصلوات فيترخص بإحدى وعشرين صلاة مكتوبة لأنه المحقق من فعله (ص) حين نزل بالأبطح، وعلى الصحيح يمكنه أن يصلي ثلاثا وعشرين صلاة.
تنبيه: عبر في الروضة بالأصح فاقتضى قوة الخلاف خلافا لتعبيره هنا بالصحيح، لكنه قال في المجموع عن الأول وبهذا قطع الجمهور. (ولو أقام ببلده) مثلا (بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت) أو حبسه الريح بموضع في البحر، (قصر ثمانية عشر يوما) غير يومي الدخول والخروج، لأنه (ص) أقامها بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصلاة، رواه أبو داود عن عمران بن حصين والترمذي وحسنه وإن كان في سنده ضعف لأن له شواهد تجبره كما قال الشهاب شيخ الاسلام ابن حجر. وروي خمسة عشر، وسبعة عشر، وتسعة عشر، وعشرين رواها أبو داود وغيره، إلا تسعة عشر، فالبخاري عن ابن عباس، قال البيهقي: وهي أصح الروايات. وقد جمع الإمام وغيره بين الروايات ما عدا روايتي خمسة عشر وعشرين بأن راوي تسعة عشر عد يومي الدخول والخروج، وراوي سبعة عشر لم يعدهما، وراوي ثمانية عشر عد أحدهما فقط. وأما رواية خمسة عشر فضعيفة، ورواية عشرين وإن كانت صحيحة فشاذة كما قاله شيخ الاسلام المذكور آنفا. قال شيخنا: وهذا الجمع يشكل على قولهم: يقصر ثمانية عشر غير يومي الدخول والخروج. وقد يجمع بينهما ما عدا روايتي خمسة عشر وسبعة عشر بأن راوي العشرين عد اليومين وراوي ثمانية عشر لم يعدهما وراوي تسعة عشر عد أحدهما، وبه يزول الاشكال اه. وهذا جمع حسن. فإن قيل: لم قدم الشافعي رواية ثمانية عشر على تسعة عشر مع أنها أصح؟ أجيب بأن خبر عمران لم يضطرب عليه، وأما ابن عباس ففيه تسعة عشر وسبعة عشر. (وقيل) يقصر (أربعة) غير يومي الدخول والخروج لأن الترخص إذا امتنع بنية إقامتها فبإقامتها أولى، لأن الفعل أبلغ من النية. (وفي قول) يقصر (أبدا) أي بحسب الحاجة، لأن الظاهر أنه لو زادت حاجته (ص) على الثمانية عشر لقصر في الزائد أيضا (وقيل: الخلاف) المذكور، وهو في الزائد على الأربعة المذكورة (في خائف القتال) والمقاتل (لا التاجر ونحوه) كالمتفقه فلا يقصران في الزائد عليها قطعا، والفرق أن للحرب أثرا في تغيير صفة الصلاة. وأجاب الأول بأن القتال ليس هو المرخص، وإنما المرخص السفر، والمقاتل وغيره فيه سواء، وعلى الأول لو فارق مكانه ثم ردته الريح إليه فأقام فيه استأنف المدة، لأن إقامته فيه إقامة جديدة فلا تضم إلى الأولى