لئلا ترد عليه القطرة من الخمر مثلا. أجيب بأنه سيذكر في باب الأشربة أن ما أسكر كثيره حرم عليه وحد شاربه، فعلم من ذلك نجاسة القليل كالكثير للتسوية بينهما فيما ذكر. ثم اعلم أن الأعيان جماد وحيوان، فالجماد كله طاهر لأنه خلق لمنافع العباد ولو من بعض الوجوه، قال تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا. وإنما يحصل الانتفاع أو يكمل بالطهارة إلا ما نص الشارع على نجاسته، وهو ما ذكره المصنف فيما مر بقوله: كل مسكر مائع. وكذا الحيوان كله طاهر لما مر، إلا ما استثناه الشارع أيضا، وقد نبه المصنف على ذلك بقوله: (وكلب) ولو معلما، لخبر مسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب وجه الدلالة أن الطهارة إما لحدث أو خبث أو تكرمة، ولا حدث على الاناء ولا تكرمة فتعين طهارة الخبث فثبتت نجاسة فمه، وهو أطيب أجزائه، بل هو أطيب الحيوان نكهة لكثرة ما يلهث فبقيته أولى، وفي الحديث: أنه (ص) دعي إلى دار قوم فأجاب ثم دعي إلى دار أخرى فلم يجب، فقيل له في ذلك فقال:
إن في دار فلان كلبا. قيل له: وإن في دار فلان هرة، فقال: إن الهرة ليست بنجسة رواه الدارقطني والحاكم، فأفهم أن الكلب نجس. وأدخل شيخنا فيما تقدم أو تكرمة لأجل دخول غسل الميت، وقول بعضهم وليست في كلام الأصحاب مع أنه لا يحتاج إليها، لأن غسله من القسم الأول كما يؤخذ من كلامهم، ممنوع، بل قال في المجموع: وإنما يجب غسل الميت تنظيفا وإكراما. (وخنزير) لأنه أسوأ حالا من الكلب لأنه لا يقتنى بحال. ونقض هذا التعليل بالحشرات ونحوها، ولذلك قال المصنف: ليس لنا دليل واضح على نجاسته، لكن ادعى ابن المنذر الاجماع على نجاسته وعورض بمذهب مالك، ورواية عن أبي حنيفة بأنه طاهر، ويرد النقض بأنه مندوب إلى قتله بلا ضرر فيه، ولأنه يمكن الانتفاع به بحمل شئ عليه ولا كذلك الحشرات فيهما، وقال تعالى: * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * والمراد جملته، لأن لحمه دخل في عموم الميتة.
(وفرعهما) أي فرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره من الحيوانات الطاهرة ولو آدميا، كالمتولد مثلا بين ذئب وكلبة تغليبا للنجاسة ولتولدها منها، والفرع يتبع الأب في النسب، والام في الرق والحرية، وأشرفهما في الدين وإيجاب البدل وتقرير الجزية وأخفهما في عدم وجوب الزكاة وأخسهما في النجاسة وتحريم الذبيحة والمناكحة. (وميتة غير الآدمي والسمك والجراد) وإن لم يسل دمها لحرمة تناولها، قال تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * وتحريم ما ليس بمحترم ولا مستقذر ولا ضرر فيه يدل على نجاسته. والميتة ما زالت حياته لا بذكاة شرعية كذبيحة المجوسي والمحرم بضم الميم، وما ذبح بالعظم، وغير المأكول إذا ذبح، ودخل الجنين فإن ذكاته بذكاة أمه، وصيد لم تدرك ذكاته والبعير الناد والمتردي إذا ماتا بالسهم.
ودخل في نجاسة الميتة جميع أجزائها من عظم وشعر وصوف ووبر وغير ذلك، لأن كلا منها تحله الحياة. ودخل في ذلك ميتة دود نحو خل وتفاح فإنها نجسة، لكن لا تنجسه لعسر الاجتراز عنها ويجوز أكله معه لعسر تمييزه. أما الآدمي فإنه لا ينجس بالموت على الأظهر لقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسته بالموت وسواء المسلم وغيره. وأما قوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * فالمراد به نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس، لا نجاسة الأبدان. وأما خبر الحاكم: لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا فجرى على الغالب، ولأنه لو تنجس بالموت لكان نجس العين كسائر الميتات، ولو كان كذلك لم يؤمر بغسله كسائر الأعيان النجسة. فإن قيل: ولو كان طاهرا لم يؤمر بغسله كسائر الأعيان الطاهرة. أجيب بأنه عهد غسل الطاهر بدليل المحدث بخلاف نجس العين. القول الثاني: أنه ينجس لأنه طاهر في الحياة غير مأكول فأشبه سائر الميتات. ورد بما تقدم، والخلاف في غير ميتة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق ابن العربي المالكي بهم الشهداء، وأما ميتة السمك والجراد فللاجماع على طهارتهما. ولقوله (ص):
أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال وقوله (ص) في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته والمراد بالسمك كل ما أكل من حيوان البحر وإن لم يسم سمكا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الأطعمة، والجراد اسم جنس واحدته جرادة تطلق على الذكر والأنثى. (و) المستحيل في باطن الحيوان نجس، وهو (دم) ولو تحلب من كبد أو طحال لقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * أي الدم المسفوح، لقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه