ثانيا بعد جماعه الأول قبل التحللين، ففي الصورتين إنما يلزمه شاة. وبالرجل المرأة وإن شملتها عبارته فإنها على الخلاف المار في الصوم فلا فدية عليها على الصحيح، سواء أكان الواطئ زوجا أم غيره محرما أم حلالا، وإن كانت عبارة المجموع تدل على أنها إذا كانت محرمة دونه أن عليها الفدية. ولنا هنا طريقة قاطعة باللزوم بخلاف الصوم. وقيل: إن كان الواطئ لا يتحمل عنها فعليها الفدية. واعلم أن البدنة حيث أطلقت في كتب الحديث والفقه المراد بها البعير ذكرا كان أو أنثى، وشرطها أن تكون في سن الأضحية كما مر، ولا تطلق هذه على غير هذا. وأما أهل اللغة فقال كثير منهم أو أكثرهم إنها تطلق على البعير والبقرة، وحكى المصنف في التهذيب والتحرير عن الأزهري أنها تطلق على الشاة، ووهم في ذلك. فإن لم يجد البدنة فبقرة، فإن لم يجدها فسبع شياه، فإن لم يجدها قوم البدنة واشترى بقيمتها طعاما وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوما. وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان مراتب الدماء. (و) يجب المضي (في فاسده) أي المذكور من حجة أو عمرة، لاطلاق قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * فإنه لم يفصل بين الصحيح والفاسد، وروي ذلك عن إفتاء جمع من الصحابة ولا يعرف لهم مخالف. والمراد بالمضي فيه أن يأتي بما كان يأتي به قبل الجماع ويتجنب ما كان يتجنبه قبله، فإن ارتكب محظورا لزمته الفدية في الأصح، وهذا بخلاف سائر العبادات لا يلزمه المضي في فاسدها للخروج منها بالفساد إذ لا حرمة لها بعده. نعم يجب إمساك بقية النهار في صوم رمضان كما مر وإن خرج منه لحرمة زمنه. (و) يجب (القضاء) اتفاقا (وإن كان نسكه تطوعا) لأنه يلزم بالشروع فيه فصار فرضا بخلاف باقي العبادات. وإذا جامع صبي أو عبد فسد نسكه ويجزئه القضاء حال الصبا والرق. ويلزم المفسد في القضاء الاحرام مما أحرم به في الأداء من ميقات أو قبله من دويرة أهله أو غيرها، فإن كان جاوز الميقات ولو غير مريد نسكا لزمه في القضاء الاحرام منه إلا إن سلك فيه غير طريق الأداء فإنه يحرم من قدر مسافة الاحرام في الأداء إن لم يكن جاوز فيه الميقات غير محرم وإلا أحرم من قدر مسافة الميقات. وعلم من ذلك أنه لو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنى الحل ثم أفسدها كفاه أن يحرم في قضائها من أدنى الحل، وأنه لا يتعين عليه سلوك طريق الأداء، لكن يشترط أن يحرم من قدر مسافته. ولا يلزمه في القضاء أن يحرم في الزمن الذي أحرم فيه بل له التأخير عنه والتقديم عليه في الوقت الذي يجوز الاحرام فيه، وفارق المكان فإنه ينضبط بخلاف الزمان. ولو أفسد القضاء الثاني بالجماع فعليه بدنة وقضاء واحد، لأن المقضي واحد فلا يلزمه أكثر منه. (والأصح أنه) أي قضاء الفاسد (على الفور) لأنه وإن كان وقته موسعا يضيق بالشروع فيه. واستشكل تسمية ذلك قضاء بأن من أفسد الصلاة ثم أعادها في الوقت كانت أداء لا قضاء لوقوعها في وقتها الأصلي خلافا للقاضي. وأجاب السبكي بأنهم أطلقوا القضاء هنا على معناه اللغوي، وبأنه يتضيق بالاحرام وإن لم يتضيق وقت الصلاة لأن آخر وقتها لم يتغير بالشروع فيها فلم يكن يفعلها بعد الافساد موقعا لها في غير وقتها، والنسك بالشروع فيه تضيق وقته ابتداء وانتهاء فإنه ينتهي بوقت الفوات ففعله في السنة الثانية خارج وقته فصح وصفه بالقضاء.
وأيد ولده في التوشيح الأول بقول ابن يونس إنه أداء لا قضاء، وتصور قضاء العمرة على الفور واضح. وأما الحج فيتصور عام الافساد بأن يتحلل بعد للاحصار، ثم يطلق من الحصر أو بان يرتد بعد أو يتحلل كذلك لمرض شرط التحلل به ثم يشفي والوقت باق فيشتغل بالقضاء. ولو خرجت المرأة لقضاء نسكها لزم الزوج زيادة نفقة السفر من زاد وراحلة ذهابا وإيابا لأنها غرامة تتعلق بالجماع فلزمته كالكفارة، ولو غضبت لزمه الإنابة عنها من ماله ومؤنة الموطوءة بزنا أو شبهة عليها.
وأما نفقة الحصر فلا تلزم الزوج إلا أن يكون معها، ويسن افتراقهما من حين الاحرام إلى أن يفرغ التحللان، وافتراقهما في مكان الجماع آكد للاختلاف في وجوبه.
فروع: لو أفسد مفرد نسكه فتمتع في القضاء أو قرن جاز وكذا عكسه. ولو أفسد القارن نسكه لزمه بدنة واحدة لانضمام العمرة في الحج، ولزمه دم للقران الذي أفسده لأنه لزم بالشروع فلا يسقط بالافساد، ولزمه دم آخر للقران الذي التزمه بالافساد في القضاء ولو أفرده لأنه متبرع بالافراد. ولو فات القارن الحج لفوات الوقوف فاتت العمرة تبعا له ولزمه دمان: