مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٤٨
(وصوم الدهر غير) يومي (العيد، و) أيام (التشريق مكروه لمن خاف به ضررا أو فوت حق) واجب أو مستحب، لخبر البخاري: أنه (ص) آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، فجاء سلمان يزور أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال:
ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك ليس له حاجة في شئ من الدنيا، فقال سلمان: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، فصم وأفطر وقم ونم وائت أهلك أعط كل ذي حق حقه فذكر أبو الدرداء للنبي (ص) ما قاله سلمان، فقال النبي (ص) مثل ما قال سلمان. فإن صام العيدين وأيام التشريق أو شيئا منها حرم، وعليه حمل خبر الصحيحين: لا صام من صام الأبد. (أو مستحب لغيره) لاطلاق الأدلة، ولأنه (ص) قال: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين، رواه البيهقي. ومعنى ضيقت عليه: أي عنه فلم يدخلها، أو لا يكون له فيها موضع.
تنبيه: قوله: ومستحب لغيره كذا في المحرر وشرح مسلم، وجرى عليه ابن المقري، وهو المعتمد، وإن عبر في الشرحين والروضة والمجموع بعدم الكراهة لا الاستحباب. وقال الأذرعي: وعبارة الجمهور أنه لا يكره في هذه الحالة، ومع استحبابه فصوم يوم وفطر يوم أفضل منه لخبر الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما، وفيه أيضا: لا أفضل من ذلك فهو أفضل من صوم الدهر، كما قاله المتولي وغيره وإن أفتى ابن عبد السلام بالعكس وقال: إن الحسنة بعشر أمثالها، وحمل قوله في الخبر: لا أفضل من ذلك أي لك، ولو نذر صوم الدهر انعقد نذره، لكن محله كما قاله السبكي ما لم يكن مكروها. وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في باب النذر.
فائدة: قال ابن سيده: الدهر الأبد المحدود، والجمع أدهر ودهور، وأما قوله (ص): لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله فمعناه أن ما أصابك من الدهر فالله فاعله ليس الدهر، فإذا سببت به الدهر، فكأنك أردت الله سبحانه.
(ومن تلبس بصوم تطوع أو صلاته فله قطعهما) أما الصوم فلقوله (ص): والصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر قال الحاكم: صحيح الاسناد. وأما الصلاة فقياسا على الصوم، ويقاس بذلك بقية النوافل غير الحج والعمرة كاعتكاف وطواف ووضوء وقراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويومها، والتسبيحات عقب الصلاة، ولئلا يغير الشروع حكم المشروع فيه. أما التطوع بالحج أو العمرة فيحرم قطعه كما يأتي في بابه لمخالفته غيره في لزوم الاتمام والكفارة بالجماع، ولكن يكره الخروج بلا عذر لظاهر قوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه، فإن كان هناك عذر كمساعدة ضيف في الاكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه أو عكسه، فلا يكره الخروج منه بل يستحب لخبر: وإن لزورك عليك حقا وخبر: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه رواهما الشيخان. أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر من ذلك، فالأفضل عدم خروجه منه كما في المجموع، وإذا أفطر لم يثب على ما مضى إن خرج بغير عذر، ويثاب عليه إن خرج بعذر. وعلى هذا يحمل قول المتولي إنه لا يثاب لأن العبادة لم تتم، وما حكي عن الشافعي أنه يثاب عليه. (ولا قضاء) واجب لقطع التطوع، بل هو مندوب سواء أخرج بعذر أم بغيره للخروج من خلاف من أوجب قضاءه. أما من فاته وله عادة بصيامه كالاثنين فلا يسن له قضاؤه لفقد العلة المذكورة كما أفتى به شيخي.
تنبيه: لو عبر المصنف بقوله: ومن تلبس بتطوع غير حج وعمرة، لكان أولى ليشمل ما ذكر. (ومن تلبس بقضاء) لصوم فات عن واجب، (حرم عليه قطعه) جزما (إن كان) قضاؤه (على الفور، وهو صوم من تعدى بالفطر) حتى لا يجوز التأخير بعذر السفر كما نقلاه عن البغوي وأقراه تداركا لما وقع فيه من الاثم. (وكذا إن لم يكن
(٤٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532