في الحال حيث لا مانع من القبض كالدين الحال على مقر ملي. (وتجب في الحال عن الغائب إن قدر عليه) لأنه كالمال الحاضر، ويجب أن يخرج في بلد المال إن استقر فيه، فإن بعد بلد المال عن المالك ومنعنا نقل الزكاة وهو الراجح فلا بد من وصول المالك أو نائبه. نعم إن كان هناك ساع أو حاكم يأخذ الزكاة دفعها إليه في الحال لأن له نقل الزكاة، نبه على ذلك الأذرعي، فإن كان سائرا فلا يجب الاخراج حتى يصل إليه. (وإلا) أي وإن لم يقدر عليه لخوف الطريق أو انقطاع خبره أو شك في سلامته، (فكمغصوب) فيأتي فيه ما مر لعدم القدرة في الموضعين. (والدين إن كان ماشية) لا للتجارة، كأن أقرضه أربعين شاة أو أسلم إليه فيها ومضى عليه حول قبل قبضه. (أو) كان (غير لازم كمال كتابة، فلا زكاة) فيه. أما الماشية فلأن علة الزكاة فيها النماء ولا نماء فيها في الذمة، بخلاف النقد فإن العلة فيه كونه نقدا وهو حاصل، ولان السوم شرط في زكاتها، وما في الذمة لا يتصف بالسوم. واعترض هذا التعليل الرافعي بجواز ثبوت لحم راعية في الذمة، وإذا جاز ذلك جاز أن يثبت في الذمة راعية. أجيب بأنه إذا التزامه أمكن تحصيله من الخارج، والكلام في أن السوم لا يتصور فيما في الذمة وإنما يتصور في الخارج، ومثل الماشية المعشر في الذمة فإنه لا زكاة فيه أيضا لأن شرطها الزهو في ملكه ولم يوجد، وأما دين الكتابة فلان للعبد إسقاطه متى شاء. ويؤخذ من ذلك أنه لو كان للسيد على المكاتب دين أنه لا زكاة فيه، وأنه لو أحال المكاتب سيده بالنجوم على شخص أن الزكاة تجب على السيد، وهو كذلك، لأنه يسقط بتنجيزه في الأولى دون الثانية. (أو عرضا) للتجارة (أو نقدا فكذا) أي لا زكاة فيه (في القديم) إذ لا ملك فيه حقيقة، فأشبه دين المكاتب. (وفي الجديد إن كان حالا وتعذر أخذه لاعسار وغيره) كمطل أو غيبة ملئ وجحود، (فكمغصوب) فتجب فيه في الأظهر، ولا يجب إخراجها حتى يحصل ولو كان مقرا له في الباطن وجبت الزكاة دون الاخراج قطعا، قاله في الشامل. (وإن تيسر) أخذه بأن كان على ملئ مقر حاضر باذل أو جاحد وبه بينة أو يعلمه القاضي وقلنا يقضي بعلمه، (وجبت تزكيته في الحال) لأنه مقدور على قبضه فهو كالمودع. وكلامه يفهم أنه يخرج في الحال وإن لم يقبضه، وهو المعتمد المنصوص في المختصر، وقيل: لا، حتى يقبضه فيزكيه لما مضى، ولو أمكنه الظفر بأخذ دينه من مال الجاحد حيث لا بينة من غير خوف ولا ضرر لم يجب الاخراج في الحال كما هو المتبار من كلام الشيخين وغيرهما، وإن كان قضية كلام ابن كج والدارمي تزكيته في الحال.
(أو مؤجلا، فالمذهب أنه كمغصوب) ففيه القولان، وقيل: تجب الزكاة قطعا، وقيل عكسه. (وقيل: يجب دفعها قبل قبضه) كالغائب الذي يسهل إحضاره.
تنبيه: لو عبر بقوله قبل حلوله لكان أولى، فإن هذا الوجه محله إذا كان الدين على ملي ولا مانع سوى الاجل، وحينئذ متى حل وجب الاخراج قبض أم لا.
فائدة: قال السبكي: إذا أوجبنا الزكاة في الدين وقلنا تتعلق بالمال تعلق شركة اقتضى أن يملك أرباب الأصناف ربع عشر الدين في ذمة المدين، وذلك يجر إلى أمور كثيرة واقع فيها كثير من الناس، كالدعوى بالصداق والديون، لأن المدعي غير مالك للجميع فكيف يدعي به إلا أن له القبض لأجل أداء الزكاة فيحتاج إلى الاحتراز عن ذلك في الدعوى، وإذا حلف على عدم المسقط ينبغي أن يحلف أن ذلك باق في ذمته إلى حين حلفه لم يسقط وأنه يستحق قبضه حين حلفه ولا يقول إنه باق له اه. ومن ذلك أيضا ما لو علق الطلاق على الابراء من صداقها وقد مضى على ذلك أحوال فأبرأته منه، فإنه لا يقع الطلاق لأنها لا تملك الابراء من جميعه، وهي مسألة حسنة فتفطن لها