قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا، صححه ابن حبان والحاكم. والمعنى في ثبوته بالواحد الاحتياط للصوم. (وفي قول) يشترط في ثبوت رؤيته (عدلان) كغيره من الشهور.
قال الأسنوي: وهذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه، فإن المجتهد إذا كان له قولان وعلم المتأخر منهما كان مذهبه المتأخر، ففي الام: قال الشافعي بعد: لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان. ونقل البلقيني مع هذا النص نصا آخر صيغته: رجع الشافعي بعد فقال: لا يصام إلا بشاهدين. ونقل الزركشي عن الصيمري أنه قال: إن صح أن النبي (ص) قبل شهادة الاعرابي وحده أو شهادة ابن عمر قبل الواحد وإلا فلا يقبل أقل من اثنين. وقد صح كل منهما، وعندي أن مذهب الشافعي قبول الواحد، وإنما رجع إلى اثنين بالقياس لما لم يثبت عنده في المسألة سنة فإنه تمسك للواحد بأثر عن علي، ولهذا قال في المختصر: ولو شهد برؤيته عدل واحد رأيت أن أقبله للأثر فيه اه. ومنهم من قطع بالأول وهو المعتمد لما ذكر، وعليه لو نذر صوم شهر معين فشهد بهلاله واحد ثبتت الرؤية في الأصح في البحر، وهو المعتمد كما جزم به ابن المقري في روضه. ومحل ثبوت رؤيته بعدل في الصوم، قال الزركشي: وتوابعه كصلاة التراويح والاعتكاف والاحرام بالعمرة المعلقين بدخول رمضان لا في غير ذلك كدين مؤجل ووقوع طلاق وعتق معلقين به. فإن قيل: هلا ثبت ذلك ضمنا كما ثبت شوال بثبوت رمضان بواحد والنسب والإرث بثبوت الولادة بالنساء؟ أجيب بأن الضمني في هذه الأمور لازم للمشهود به بخلاف الطلاق ونحوه، وبأن الشئ إنما يثبت ضمنا إذا كان التابع من جنس المتبوع كالصوم والفطر فإنهما من العبادات، وكالولادة والنسب والإرث فإنها من المال، والآيل إليه بخلاف ما هنا، فإن التابع من المال أو الآيل إليه، والمتبوع من العبادات، هذا كما قال البغوي إن سبق التعليق الشهادة، فلو حكم القاضي بدخول رمضان بشهادة عدل، ثم قال قائل: إن ثبت رمضان فعبدي حر أو زوجتي طالق وقعا، ومحله أيضا كما قال الأسنوي إذا لم يتعلق بالشاهد، فإن تعلق به ثبت لاعترافه به.
فرع: لو شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته، قال السبكي: لا تقبل هذه الشهادة لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية، والظني لا يعارض القطعي. وأطال في بيان رد هذه الشهادة، والمعتمد قبولها، إذ لا عبرة بقول الحساب كما مر. ورؤيته الهلال نهارا لليلة المستقبلة لا الماضية فلا نفطر إن كان في ثلاثي رمضان ولا نمسك إن كان في ثلاثي شعبان. وأما رؤيته يوم التاسع والعشرين فلم يقل أحد إنها للماضية، أي ولا للمستقبلة كما في شرح الارشاد لابن أبي شريف، لئلا يلزم أن يكون الشهر ثمانية وعشرين لو قيل إنها لليلة الماضية.
(وشرط الواحد صفة العدول في الأصح) المنصوص (لا عبد وامرأة) فليسا من العدول في الشهادة. قال الشارح:
وإطلاق العدول ينصرف إلى الشهادة بخلاف إطلاق العدل فيصدق بها وبالرواية، والمرأة لا تقبل في الشهادة وحدها اه.
فاندفع بذلك ما قيل إن قوله: وشرط الواحد صفة العدول بعد قوله: بعدل فيه ركاكة، فإن العدل من كانت فيه صفة العدول، والخلاف مبني على أن الثبوت بالواحد شهادة أو رواية، فلا يثبت بواحد منهما على الأول ويثبت به على الثاني، ويشترط لفظ الشهادة على الأول أيضا، وهي شهادة حسية، وتختص بمجلس القاضي كما جزم به صاحب الأنوار وغيره، ولا تشترط العدالة الباطنة فيه وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين على الأصح في المجموع بل يكتفي بالعدالة الظاهرة، والمراد بذلك المستور وإن كان مشكلا، لأن الصحيح أنها شهادة لا رواية، ولعل الحكمة في ذلك الاحتياط للعبادة.
تنبيه: أشار المصنف بقوله: وثبوت رؤيته إلى أن ذلك بالنسبة إلى عموم الناس. أما وجوبه على الرائي فلا يتوقف على كونه عدلا، فمن رأى هلال رمضان وجب عليه الصوم وإن كان فاسقا، وقالت طائفة، منهم البغوي: يجب الصوم على من أخبره موثوق به بالرؤية إذا اعتقد صدقه، وإن لم يذكره عند القاضي ولم يفرعوه على شئ، ومثله في المجموع بزوجته وجاريته وصديقه، ويكفي في الشهادة: أشهد أني رأيت الهلال كما صرح به الرافعي في صلاة العيد