حي على الفلاح، ولا يلتفت في قوله الصلاة خير من النوم كما صرح به ابن عجيل اليمني. وهو مقتضى قولهم: واختصت الحيعلتان بالالتفات، لأنه دعاء إلى الصلاة بخلاف باقي الكلمات، والفرق بين هذا وبين كراهة الالتفات في الخطبة أن المؤذن داع للغائبين، والالتفات أبلغ في إعلامهم، والخطيب واعظ للحاضرين فالأدب أن لا يعرض عنهم. فإن قيل:
مقتضى الفرق أنه لا يستحب الالتفات في الإقامة، مع أنه يستحب الالتفات فيها كالاذان. أجيب بأن القصد منها الاعلام أيضا، فليس فيها ترك أدب. ويسن أن يؤذن على موضع عال كمنارة وسطح، لخبر الصحيحين: كان لرسول الله (ص) مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم، ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا ولزيادة الاعلام، بخلاف الإقامة لا تسن على عال إلا في نحو مسجد كبير، فيحتاج فيه إلى علو للاعلام بها. وإذا لم يكن ثم منارة ولا سطح استحب أن يؤذن على باب المصلى فإن أذن في صحنه جاز وكان تاركا للسنة. وأن يجعل المؤذن أصبعيه في صماخي أذنيه لأنه روي في خبر أبي جحيفة: وإصبعاه في أذنيه، والمراد أنملتا سبابتيه ولأنه أجمع للصوت، ويستدل به الأصم والبعيد، بخلاف الإقامة لا يسن فيها ذلك. وأن يبالغ في رفع الصوت بالاذان لخبر أبي سعيد الخدري السابق أوائل الباب بلا إجهاد للنفس لئلا يضر بها. (ويجب ترتيبه) أي الاذان وكذا الإقامة للاتباع كما رواه مسلم وغيره، ولان تركه يوهم اللعب ويخل بالأعلام، فإن عكس لم يصح ذلك لما ذكره. وله أن يبني على المنتظم منه والاستئناف أولى، ولو ترك بعض الكلمات في خلالهما أتى بالمتروك وأعاد ما بعده. (و) تجب (موالاته) وكذا الإقامة، أي موالاة كلماتهما لأن تركها يخل بالأعلام ولا يضر يسير نوم أو إغماء أو ردة أو سكوت أو كلام. ويسن أن يستأنف في غير الأخيرتين. (وفي قول لا يضر كلام وسكوت طويلان) بين كلماتهما كغيرهما من الأذكار، وقيل: يضر كثير الكلام دون كثير السكوت. ومحل الخلاف إذا لم يفحش الطول فإن فحش قال في المجموع: بحيث لا يسمى مع الأول أذانا أي في الاذان ولا إقامة في الإقامة استأنف جزما، فإن عطس - بفتح الطاء - المؤذن أو المقيم في أثناء ذلك سن له أن يحمد الله في نفسه وأن يؤخر رد السلام إذا سلم عليه غيره والتشميت إذا عطس غيره وحمد الله تعالى إلى الفراغ فيرد ويشمت حينئذ، فإن رد أو شمت أو تكلم بمصلحة لم يكره وكان تاركا للسنة، ولو رأى أعمى مثلا يخاف وقوعه في بئر وجب إنذاره. ويشترط في الأذان والإقامة عدم بناء غيره على أذانه أو إقامته لأن ذلك من شخصين يوقع في لبس غالبا فسقط ما قيل إنه يؤخذ منه صحة البناء إذا اشتبها صوتا. (وشرط المؤذن) والمقيم (الاسلام) فلا يصحان من كافر لعدم أهليته للعبادة ولأنه لا يعتقد الصلاة التي هما دعاء لها فإتيانه بذلك ضرب من الاستهزاء، ويحكم بإسلامه بالشهادتين إن لم يكن عيسويا بخلاف العيسوي، والعيسوية فرقة من اليهود تنسب إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصبهاني كان في خلافة المنصور يعتقد أن محمدا رسول الله أرسل إلى العرب خاصة، وفارق اليهود في أشياء غير ذلك: منها أنه حرم الذبائح. فإن أذن أو أقام غير العيسوي بعد إسلامه ثانيا اعتد بالثاني. ولو ارتد المؤذن بعد فراغ الاذان، ثم أسلم ثم أقام جاز، والأولى أن يعيدهما غيره حتى لا يصلي بأذانه وإقامته لأن ردته تورث شبهة في حاله.
(و) شرط من ذكر (التمييز) فلا يصحان من غير مميز لعدم أهليته للعبادة. وفي اشتراط النية في الاذان وجهان في البحر، والأصح عدم الاشتراط، لكن يشترط عدم الصرف، فإن قصد به تعليم غيره لم يعتد به قاله ابن كج. (و) شرط المؤذن (الذكورة) ولو عبدا أو صبيا مميزا، فلا يصح أذان امرأة وخنثى لرجال وخناثى كما لا تصح إمامتهما لهم، وتقدم أذانهما لغير الرجال والخناثي. وقضية كلامهم أنه لا فرق في الرجال بين المحارم وغيرهم، وهو كذلك وإن نظر فيه الأسنوي. قال في المجموع: وشرط المرتب للاذان علمه بالمواقيت دون من أذن لنفسه أو الجماعة مرة، أي فلا يشترط معرفته بها، بل إذا علم دخول الوقت صح أذانه بدليل صحة أذان الأعمى، وهذا كما قال شيخنا يقتضي أن الراتب إذا لم يعلمها لم يصح أذانه، وليس مرادا بل يصح إذا عرفها بخبر ثقة كغير الراتب كما دل عليه كلام الأئمة حتى المتولي في تتمته، فشرط المؤذن راتبا أو غيره معرفة دخول الأوقات بأمارات أو غيرها، فإن ابن أم مكتوم كان راتبا مع أنه كان لا يعرفها