أي الأعمال أفضل: الصلاة في أول وقتها رواه الدارقطني وغيره، وقال الحاكم: إنه على شرط الشيخين، ولفظ الصحيحين: الصلاة لوقتها. وعن ابن عمر مرفوعا: الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله رواه الترمذي.
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: رضوان الله إنما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين، ولو اشتغل أول الوقت بأسباب الصلاة كالطهارة والاذان والستر وأكل لقم، بل الصواب الشبع كما مر في المغرب، وتقديم سنة راتبة أو أخر بقدر ذلك عند عدم الحاجة إليه، ثم أحرم بها حصلت له فضيلة أول الوقت ولا يكلف العجلة على خلاف العادة، يحتمل مع ذلك شغل خفيف وكلام قصير وإخراج حدث يدافعه وتحصيل ماء ونحو ذلك. (وفي قول تأخير العشاء) ما لم يجاوز وقت الاختيار (أفضل) لخبر الشيخين: أنه (ص) كان يستحب أن يؤخر العشاء، قال الأذرعي:
وهذا هو المنصوص في أكثر كتبه الجديدة، وقال في المجموع: إنه أقوى دليلا اه. قيل: والحكمة في تأخيرها إلى وقت الاختيار لتكون وسط الليل بإزاء صلاة الظهر في وسط النهار، والمشهور استحباب التعجيل لعموم الأحاديث ولأنه هو الذي واظب عليه (ص). وحمل بعضهم القولين على حالين، فحيث قيل التعجيل أفضل أريد ما إذا خاف النوم، وحيث قيل التأخير أفضل أريد ما إذا لم يخف. ويستثنى من التعجيل مسائل: منها ما ذكره المصنف بقوله: (ويسن الابراد بالظهر) أي بصلاته، أي تأخير فعلها عن أول وقتها، (في شدة الحر) إلى أن يصير للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة، لخبر الصحيحين: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة وفي رواية للبخاري: بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم أي هيجانها وانتشار لهيبها، أجارنا الله تعالى منها. والحكمة فيه أن في التعجيل في شدة الحر مشقة تسلب الخشوع أو كماله، فسن له التأخير كمن حضره طعام يتوق إليه أو دافعه الخبث، وما ورد مما يخالف ذلك فمنسوخ، ولا تؤخر عن نصف الوقت على الصحيح.
وخرج بالصلاة الاذان، وبالظهر غيرها من الصلوات ولو جمعة فلا يسن فيها الابراد، أما غير الجمعة فلفقد العلة المذكورة، وأما الجمعة فلخبر الصحيحين عن سلمة: كنا نجمع مع رسول الله (ص) إذا زالت الشمس، ولشدة الخطر في فواتها المؤدي إليه تأخيرها بالتكاسل، ولان الناس مأمورون بالتبكير إليها فلا يتأذون بالحر. فإن قيل: ورد في الصحيحين:
أنه (ص) كان يبرد بها. أجيب بأنه فعله بيانا للجواز جمعا بين الأدلة، مع أن الخبر رواه الإسماعيلي في صحيحه في الظهر فتعارضت الروايتان، فيعمل بخبر سلمة لعدم المعارض. (والأصح اختصاصه) أي الابراد (ببلد حار) قال في البويطي: كالحجاز وبعض العراق. (وجماعة) نحو (مسجد) كرباط ومدرسة، (يقصدونه من بعد) ويمشون إليه في الشمس. فلا يسن الابراد في غير شدة الحر ولو بقطر حار ولا في قطر معتدل أو بارد وإن اتفق فيه شدة الحر، ولا لمن يصلي منفردا أو جماعة بيته أو بمحل حضره جماعة لا يأتيهم غيرهم أو يأتيهم غيرهم من قرب أو بعد لكن يجد ظلا يمشي فيه إذ ليس في ذلك كبير مشقة، نعم الإمام الحاضر في المسجد الذي يقصده الجماعة من بعد يسن له الابراد اقتداء به (ص). وقضية كلامه أنه لا يسن الابراد المنفرد يريد الصلاة في المسجد، وفي كلام الرافعي إشعار بسنه، وقال الأسنوي: إنه الأوجه، وضابط البعد ما يتأثر قاصده بالشمس.
والثاني: لا يختص بذلك، فيسن في كل ما ذكر لاطلاق الخبر. ولو عبر بمصلى بدل مسجد لشمل ما قدرته، إلا أن يراد بالمسجد موضع الاجتماع للصلاة فيشمل ما ذكر. ومنها أنه يندب التأخير لمن يرمي الجمار، ولمسافر سائر وقت الأولى، ولمن تيقن وجود الماء أو السترة أو الجماعة أو القدرة على القيام آخر الوقت، ولمن اشتبه عليه الوقت في يوم غيم حتى يتيقنه أو يظن فواته لو أخره، ولدائم الحدث إذ رجا الانقطاع، وللواقف بعرفة فيؤخر المغرب وإن كان نازلا وقتها ليجمعها مع العشاء بمزدلفة إذا كان سفره سفر قصر، وللمعذور في ترك الجمعة فيؤخر الظهر إلى اليأس من الجمعة إذا أمكن زوال عذره كما سيأتي في الجمعة. (ومن وقع بعض صلاته في الوقت) وبعضها خارجه، (فالأصح إنه أن وقع) في الوقت (ركعة) أو أكثر كما فهم بالأولى (فالجميع أداء) لخبر الصحيحين: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة أي مؤداة.