لنبرأ في لون ذلك الآخر وقهره بالقوة قهرا شديدا حتى كان كأنه ليس له قوة موجودة البتة تأمل الحال في رطل من اللبن لو خلطته بمثقالين من الفربيون خلطا كشئ واحد ليس كان المجتمع منهما مسخنا في الغاية والحس لا يدرك الفربيون منهما لا لونه ولا عدمه اللون لو كان عادما للون انما يرى بياضا صرفا فيكون قد صدقنا ان هذا البياض هو بجوهر بارد مثلا ان فرضنا اللبن باردا أو كذبنا ان قلنا ان هذا الجوهر المشروب بارد وذلك لان هذا البياض ليس هو لونا لهذا المشروب المجتمع من جهة ما هو مشروب مجتمع بل هو لون لاحد بسيطيه الغالب بالمقدار المغلوب بالقوة الذي هو محسوس منهما فهكذا يجب ان يتصور الحال في الأبيض الطبيعي الامتزاج الذي هو في غاية الحر ونتوقعه أن يكون باردا مثل الفلفل الأبيض فإنه كما أنه هذا هو الذي يمتزج بالصناعة فكذلك قد امتزج بالطبيعة فتكون الصورة هي هذه الصورة الا ان من هذه الكيفيات المحسوسة ما الأولى أن يكون ما يخالطها من الضد يؤثر فيها أثرا بينا وانها ما دامت كيفياتها صادقة محسوسة لا تحس أضدادها فيها فهي غالبة للقوى وهذا هو في الطعوم لا على أنه واجب بل على أنه أكثري وبعد الطعوم في الروائح وبعدهما في الألوان وهو في الألوان كغير الموثوق به ومن الأسباب التي فاقت فيها الطعوم الروائح في هذا الباب وصولها إلى الحس بملاقاة فهي أولى ما يوصل من جميع أجزاء الدواء قوة والروائح والألوان نؤثر بلا ملاقاة من اجزائها فيجوز أن يصل إلى الحس من أجزاء ذي الرائحة بخار من لطيف أجزائه ويستعصي البخار من كثيف أجزائه فلا يتبخر ويجوز أن يصل إليه لون الظاهر الغالب دون المغلوب الخفي ولأن الروائح قد تدل على الطعوم مثل الرائحة الحلوة والحامضة والحريفة والمرة كانت الروائح تالية للطعوم فالطعوم أكثر صحة دلالة ثم الروائح ثم الألوان ثم لو كانت الطعوم أيضا لا يقع فيها هذا التركيب المذكور لما كان الأفيون في مرارته مع برده المفرط وهذا الغلط الذي يقع في الطعوم يقع في جانب البرد أكثر منه في جانب الحر أعني أن يكون الدواء له طعم يدل على الحرارة وهو بارد فان هذا أكثر من أن يكون الدواء له طعم يدل على البرد وهو حار لان الحار في أكثر الأحوال أقوى آثارا وأظهر أفعالا وأنفذ فلو كان قد خالط البارد في المزاج الطبيعي حار تبلغ قوته مبلغا بكسر برد ما يقابله لقد كان بالحري أن يظهر له طعم يكسر طعمه إذا لحار في جميع الأحوال أنفذ وأبلغ وأغلب وأولى بأن يجمل الطعوم والروائح ولهذا السبب كأنك لا تجد حامضا أو عفصا لا مزاج فيه في الحس ويكون حارا بأغلب مزاجه كما تجد مرا ولذاعا ويكون باردا في أغلب مزاجه على أن هذا أيضا أكثري وأكثر أكثرية من الآخر وليس بواجب فإذا عرفت هذا القانون فيجب الآن أن نقتص عليك ما يقوله الأطباء في العلوم والروائح والألوان فإنهم يجعلون الطعوم البسيطة كلها تسعة وهي وان كان لابد ثمانية طعوم وواحد هو عدم الطعم وهو التفه المسيخ الذي لا يكون له طعم ولا يدرك منه طعم البتة كالماء وانهم يسمون بالطعم كل ما يحكم عليه بالذوق حكما وهو بالفعل أو حكما وهو بالقوة ولم ينفعل البتة وهو الذي لا طعم له وهو على وجهين اما تفه عادم للطعم بالحقيقة واما تفه عادم له عند الحس والتفه في الحقيقة هو الذي لا طعم له بالحقيقة والتفه عند الحس هو الذي له في نفسه طعم الا انه لشد
(٢٢٨)