* واعلم أن المزاج على نوعين مزاج أول ومزاج ثان فالمزاج الأول هو أول مزاج يحدث عن العناصر والمزاج الثاني هو المزاج الذي يحدث عن أشياء لها في أنفسها مزاج كمثل مزاج الأدوية المركبة ومزاج الترياق فان لكل دواء مفرد من أدوية الترياق مزاجا يخصه ثم إذا اختلطت وتركبت حتى تتحد ويحصل لها مزاج حصل مزاج ثان وهذا المزاج الثاني ليس انما يكون كله عن الصناعة بل قد يكون عن الطبيعة أيضا فان اللبن يمتزج بالحقيقة عن مائية وجبنية وسمنية وكل واحد من هذه الثلاثة غير بسيط في الطبع بل هو أيضا ممتزج وله مزاج يخصه وهذا المزاج الثاني هو من فعل الطبيعة لا من فعل الصناعة والمزاج الثاني قد يكون على وجهين اما مزاج قوى واما مزاج رخو والمزاج القوى مثل أن يكون كل واحد من البسيطين اتحد بالآخر اتحادا يعسر تفريقه على حرارتنا الغريزية بل قد يكون منه ما يعسر تفريقه على حرارة النار مثل جرم الذهب فان المزاج من رطبه ويابسه قد بلغ مبلغا تعجز النارية عن التفريق بينهما وإذا سيلت النارية المائية لتصعدها تشبث بجميع أجزائها أجزاء الأرضية فلم تقدر على تصعيدها وارساب الأرضية كما تقدر على مثله في الخشب بل في الرصاص والآنك فإذا كان من المزاج ما استحكامه هذا الاستحكام فلا يبعد ان يكون من المزاج ما تعجز الحرارة الغريزية التي فينا عن تفريق بسائطه وما كان هكذا فهو المزاج الموثق فان كان معتدلا بقى في جميع البدن إلى أن يحيل صورته ويعيده معتدلا وما كان مائلا إلى غلبة بقى في البدن على غلبته إلى أن تفسد صورته وبالجملة انما يصدر عنه فعل واحد وأما إذا لم يكن المزاج موثقا بل رخوا سلسا إلى الانفصال فقد يجوز أن تفترق بسائطه عند فعل طبيعتنا فيه ويتزايل بعضها عن بعض وتكون مختلفة القوى فيفعل بعضها فعلا ويفعل الاخر ضده فإذا قال الأطباء ان دواء كذا قوته مركبة من قوى متضادة فلا يجب أن يفهموا هم أنفسهم وأنت عنهم ان جزأ واحدا يحمل حرارة وبرودة يفعل كل واحد منهما بانفراده كالمتميزين فان ذلك لا يمكن بل هما في جزأين منه مختلفين هو مركب منهما وأيضا لا يجب أن نظن أن غير ذلك الجنس من الأدوية ليس مركبا من قوى متضادة فان جميع الأدوية مركبة من قوى متضادة بل يجب ان تفهم من ذلك انهم يعنون انه بالفعل ذو قوى متضادة أو بقوة قريبة من الفعل لان فيه أجزاء مختلفة لم يفعل بعضها في بعض فعلا تاما يجعل الكل متشابه القوة تشابها تاما ولا تلازمت واتحدت حتى إذا حصل بعضها في جزء عضو لزم أن يحصل الاخر معه لأنه ان كانت متشابهة القوة لم يختلف فعلها في البدن البتة وان كانت متلازمة الاجزاء ومختلفة القوى جاز أن لا يختلف أيضا تأثيرها في البدن بل كان إذا حصل جزء من بسيط في عضو وافقه ما يلازمه من البسيط الآخر فحصل منهما الفعل والأثر الذي يؤدى إليه فعلاهما في جميع أجزاء ذلك العضو على السواء إذ كل واحد من أجزائه معه عائق عن تمام فعله متمكن منه اللهم الا أن يكون جزء وعضو قابلا عن أحد البسيطين دون الآخر والطبيعة تستعمل لأحدهما وترفض الآخر فقد يكون هذا كثيرا وليس كلامنا في هذا بل هو في الصنف الذي هو مختلف التأثير لأمر في نفسه لا لأمر في غيره وذلك الامر هو أن بسائطه امتزاجها واه بحيث يقبل التمييز بتأثر حرارتها فالأدوية المفردة التي نذكر ان لها قوى متضادة من هذه التي ليس فيها ذلك الامتزاج الكلى فمن هذه ما هو أقوى
(٢٢٣)