بل عسى أن يكون قريبا منه وليس أيضا كثيرا لبعد منه في البرد ثم الجلد (الفصل الثالث أمزجة الأسنان والأجناس) * الأسنان أربعة في الجملة سن النمو ويسمى سن الحداثة وهو إلى قريب من ثلاثين سنة ثم سن الوقوف وهو سن الشباب وهو إلى نحو من خمس وثلاثين سنة أو أربعين سنة وسن الانحطاط مع بقاء من القوة وهو سن المكتهلين وهو إلى نحو من ستين سنة وسن الانحطاط مع ظهور الضعف في القوة وهو سن الشيوخ إلى آخر العمر لكن سن الحداثة ينقسم إلى سن الطفولة وهو ان يكون المولود بعد غير مستعد الأعضاء للحركات والنهوض وإلى سن الصبا وهو بعد النهوض وقبل الشدة وهو أن لا تكون الأسنان استوفت السقوط والنبات ثم سن الترعرع وهو بعد الشدة ونبات الأسنان قبل المراهقة ثم سن الغلامية والرهاق إلى أن يبقل وجهه ثم سن الفتى إلى أن يقال النمو والصبيان أعني من الطفولة إلى الحداثة مزاجهم في الحرارة كالمعتدل وفى الرطوبة كالزائد ثم بين الأطباء الأقدمين اختلاف في حرارتي الصبي والشاب فبعضهم يرى أن حرارة الصبي أشد ولذلك ينمو أكثر وتكون أفعاله الطبيعية من الشهوة والهضم كذلك أكثر وأدوم ولأن الحرارة الغريزية المستفادة فيهم من المنى أجمع وأحدث وبعضهم يرى أن الحرارة الغريزية في الشبان أقوى بكثير لان دمهم أكثر وأمتن ولذلك يصيبهم الرعاف أكثر وأشد ولأن مزاجهم إلى الصفراء أميل ومزاج الصبيان إلى البلغم أميل ولأنهم أقوى حركات والحركة بالحرارة وهم أقوى استمراء وهضما وذلك بالحرارة واما الشهوة فليست تكون بالحرارة بل بالبرودة ولهذا ما تحدث الشهوة الكلبية في أكثر الامر من البرودة والدليل على أن هؤلاء أشد استمراء انه لا يصيبهم من التهوع والقئ والتخمة ما يعرض للصبيان لسوء الهضم والدليل على أن مزاجهم أميل إلى الصفراء هو أن أمراضهم حارة كلها كحمى الغب وقيئهم صفراوي واما أكثر أمراض الصبيان فإنها رطبة باردة وحمياتهم بلغمية وأكثر ما يقذفونه بالقئ بلغم واما النمو في الصبيان فليس من قوة حرارتهم ولكن لكثرة رطوبتهم وأيضا فان كثرة شهوتهم تدل على نقصان حرارتهم هذا مذهب الفريقين واحتجاجهما واما جالينوس فإنه يرد على الطائفتين جميعا وذلك أنه يرى الحرارة فيهما متساوية في الأصل لكن حرارة الصبيان أكثر كمية وأقل كيفية أي حدة وحرارة الشبان أقل كمية وأكثر كيفية أي حدة وبيان هذا على ما يقوله فهو أن يتوهم ان حرارة واحدة بعينها في المقدار أو جسما لطيفا حارا واحدا في الكيف والكم فشا تارة في جوهر رطب كثير كالماء وفشا أخرى في جوهر يابس قليل كالحجر وإذا كان كذلك فانا نجد حينئذ الماء الحار المائي أكثر كمية وألين كيفية والحار الحجري أقل كمية وأحد كيفية وعلى هذا فقس وجود الحار في الصبيان والشبان فان الصبيان انما يتولدون من المنى الكثير الحرارة وتلك الحرارة لم يعرض لها من الأسباب ما يطفئها فان الصبي ممعن في التزيد ومتدرج في النمو ولم يقف بعد فكيف يتراجع واما الشاب فلم يقع له سبب يزيد في حرارته الغريزية ولا أيضا وقع له سبب يطفئها بل تلك الحرارة مستحفظة فيه برطوبة أقل كمية وكيفية معا إلى أن يأخذ في الانحطاط وليست قلة هذه الرطوبة تعد قلة بالقياس إلى استحفاظ الحرارة ولكن بالقياس إلى النمو فكان الرطوبة تكون أولا بقدر يفي به كلا الامرين فيكون بقدر
(١١)