وكثير من الحكماء وعامة الأطباء وخصوصيا جالينوس يرى أن لكل واحدة من القوى عضوا رئيسا هو معدنها وعنه يصدر أفعالها ويرون ان القوة النفسانية مسكنها ومصدر أفعالها الدماغ وان القوة الطبيعية لها نوعان نوع غايته حفظ الشخص وتدبيره وهو المتصرف في أمر الغذاء ليغذو البدن مدة بقائه وينميه إلى نهاية نشؤه ومسكن هذا النوع ومصدر فعله هو الكبد ونوع غايته حفظ النوع وهو المتصرف في أمر التناسل ليفصل من أمشاج البدن جوهر المنى ثم يصوره باذن خالقه ومسكن هذا النوع ومصدر أفعاله هو الأنثيان والقوة الحيوانية وهي التي تدبر امر الروح الذي هو مركب الحس والحركة وتهيئه لقبوله إياهما إذا حصل في الدماغ وتجعله بحيث يعطى ما يفشو فيه الحياة ومسكن هذه القوى ومصدر فعلها هو القلب واما الحكيم الفاضل أرسطوطاليس فيرى ان مبدأ جميع هذه القوى هو القلب الا أن لظهور أفعالها الأولية هذى المبادئ المذكورة كما أن مبدأ الحس عند الأطباء هو الدماغ ثم لكل حاسة عضو مفرد منه يظهر فعله ثم إذا فتش عن الواجب وحقق وجد الامر على ما رآه أرسطوطاليس دونهم وتوجد أقاويلهم منتزعة من مقدمات مقنعة غير ضرورية انما يتبعون فيها ظاهر الأمور لكن الطبيب ليس عليه من حيث هو طبيب ان يتعرف الحق من هذين الامرين بل ذلك على الفيلسوف أو على الطبيعي والطبيب إذا سلم له ان هذه الأعضاء المذكورة مباد ما لهذه القوى فلا عليه فيما يحاوله من أمر الطب كانت هذه مستفادة عن مبدأ قبلها أو لم تكن لكن جهل ذلك مما لا يرخص فيه للفيلسوف * (الفصل الثاني في القوى الطبيعية المخدومة) * وأما القوى الطبيعية فمنها خادمة ومنها مخدومة المخدومة جنسان جنس يتصرف في الغذاء لبقاء الشخص وينقسم إلى نوعين إلى الغاذية والنامية وجنس يتصرف في الغذاء لبقاء النوع وينقسم إلى نوعين إلى المولدة والمصورة فاما القوة الغاذية فهي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذى ليخلف بدل ما يتحلل وأما النامية فهي الزائدة في أقطار الجسم على التناسي الطبيعي يبلغ تمام النشء بما يدخل فيه من الغذاء والغاذية تخدم النامية والغاذية تورد الغذاء تارة مساويا لما يتحلل وتارة أنقص وتارة أزيد والنمو لا يكون الا بأن يكون الوارد أزيد من المتحلل الا أنه ليس كل ما كان كذلك كان نموا فان السمن بعد الهزال في سن الوقوف هو من هذا القبيل وليس هو بنمو وانما النمو ما كان على تناسب طبيعي في جميع الأقطار ليبلغ به تمام النشء ثم بعد ذلك لا نمو البتة وان كان سمن كما أنه لا يكون قبل الوقوف ذبول وان كان هزال على أن ذلك أبعد وعن الواجب أخرج والغاذية يتم فعلها بأفعال جزئية ثلاثة أحدها تحصيل جوهر البدن وهو الدم والخلط الذي هو بالقوة القريبة من الفعل شبيه بالعضو وقد تخل به كما يقع في علة تسمى أطروقيا وهو عدم الغذاء والثاني الالزاق وهو ان يجعل هذا الحاصل غذاء بالفعل التام أي صائرا جزء عضو وقد يخل به كما في الاستسقاء اللحمي والثالث التشبيه وهو أن يجعل هذا الحاصل عندما صار جزأ من العضو شبيها به من كل جهة حتى في قوامه ولونه وقد يخل به كما في البرص والبهق فان البدل والالزاق موجودان فيهما والتشبيه غير موجود وهذا الفعل للقوة المغيرة من القوى الغاذية وهي واحدة في الانسان بالجنس أو المبدأ الأول وتختلف بالنوع
(٦٧)