امتزاجا فلا يقدر الطبخ والغسل على التفريق بين قواها مثل البابونج الذي فيه قوة محللة وقوة قابضة وإذا طبخ في الضمادات لم تفارقه القوتان ومنها ما يقدر الطبخ على التفريق بينهما مثل الكرنب فان جوهره ممتزج من مادة أرضية قابضة ومن مادة لطيفة جلاءة بورقية فإذا طبخ في الماء تحلل الجوهر البورقي الجالي منه في الماء وبقى الجوهر الأرضي القابض فصار ماؤه مسهلا وجرمه قابضا وكذلك العدس وكذلك الدجاج وكذلك الثوم فان فيه قوة جلاءة محرقة ورطوبة ثقيلة والطبخ يفرق بينهما وكذلك البصل والفجل وغير ذلك ولذلك قيل إن الفجل يهضم ولا ينهضم لا بجميع أجزائه بل بالجوهر اللطيف الأرق الذي فيه فإذا تحلل ذلك عنه بقى الجوهر الكثيف الذي فيه عاصيا على القوة الهاضمة لزجا وذلك الجوهر الآخر يقطع اللزوجة ومن هذا الباب ما يقدر الغسل على التفريق بين بسائطه مثل الهندبا وكثير من البقول فان جوهرها مركب من مادة أرضية مائية باردة كثيرة ومن مادة لطيفة قليلة فيكون تبريدها بالمادة الأولى وتفتيحها للسدد وتنفيذها أكثر بالمادة الأخرى ويكون جل هذه المادة اللطيفة منبسطة على سطحها وقد تصعدت إليه والنفرشت عليه فإذا غسلت تحللت في الماء ولم يبق منها شئ يعتد به فلهذا نهى عن غسلها شرعا وطبا وبهذا السبب كثير من الأدوية إذا تناولها الانسان برد تبردا شديدا فإذا ضمد بها أحللت مثلا كالكزبرة فإنها إذا تنوولت اشتد تبريدها فإذا ضمد بها فربما حللت مثل الخنازير وخصوصا مخلوطة بالسويق وذلك لأنها مركبة من جوهر أرضى مائي شديد التبريد ومن جوهر لطيف محلل فإذا تنوولت أقبلت الحرارة الغريزية فحللت عنها الجوهر اللطيف ولم تكن كثيرة المقدار فتؤثر في المزاج أثرا بل بعدت ونفذت وبقى الجوهر المبرد منه غاية في التبريد وأما إذا ضمد بها فيشبه أن يكون الجوهر الأرضي لا ينفذ في المسام ولا يفعل فيها أثرا البتة والجوهر اللطيف الناري ينفذ فيها وينضج فان استصحبت شيئا من الجوهر البارد نفع في الردع وقهر الحرارة الغريزية وهذا قريب مما بيناه في الكتاب الأول من احراق البصل ضمادا والسلامة عنه مطعوما إذ جعلنا إحدى العلل فيه قريبة من هذا فيجب ان يكون المعنى محكما معلوما * ومن الأدوية ما يشبه ان يكون فيه جوهران مختلفان في الطبع من غير امتزاج البتة فمن ذلك ما هو ظاهر للحس كالجزاء الأترج ومنه ما هو اخفى فان بزر قطونا يشبه ان يكون قشره وما على قشره قوى التبريد والدقيق الذي فيه قوى التسخين حتى يكاد ان يكون دواء محمرا أو مقرحا وقشره كالحجاب الحاجز بينهما فان شرب غير مدقوق لم تمكن صلابة جلده من أن تنفذ قوة دقيقه وباطنه إلى خارج بل فعل بظاهره ولعابيته وان دق فعسى ان الذي يقال من أنه سم هو بسبب ظهور دقيقه وحشوه فيشبه ان يكون تفجير المدقوق منه للجراحات وتفحج الصحيح منه إياها وردعه لها بهذا السبب وهذا المقدار كاف في اعطائنا هذا الأصل * (المقالة الثانية في تعرف قوى أمزجة الأدوية بالتجربة) * الأدوية تتعرف قواها من طريقين أحدهما طريق القياس والآخر طريق التجربة ولنقدم الكلام في التجربة فنقول ان التجربة انما تهدى إلى معرفة قوة الدواء بالثقة بعد مراعاة شرائط إحداها أن يكون الدواء خاليا عن كيفية مكتسبة اما حرارة عارضة أو برودة عارضة أو كيفية عرضت لها
(٢٢٤)