تكاثفه لا يتحلل منه شئ يخالط اللسان فيدركه ثم إذا احتيل في تحليل أجزائه وتلطيفها أحس طعمه مثل النحاس والحديد فان اللسان لا يدرك منهما طعما لأنه لا يتحلل من جزمهما شئ يصير إلى الرطوبة المبثوثة في أعلى اللسان التي هي واسطة في حس الذوق ولو احتيل في تهيئته أجزاء صغار الظهر له طعم قوى ومثل هذا أشياء كثيرة وأما الطعوم الثمانية التي يذكرونها التي هي بالحقيقة طعوم بعد التفه فهي الحلاوة والمرارة والحرافة والملوحة والحموضة والعفوصة والقبض والدسومة ويقولون ان الجوهر الحامل للطعم اما أن يكون كثيفا أرضيا واما أن يكون لطيفا واما أن يكون معتدلا وقوته اما أن تكون حارة واما أن تكون باردة واما ان تكون متوسطة والكثيف الأرضي ان كان حارا فهو مر وان كان باردا فهو عفص وان كان معتدلا فهو حلو واللطيف ان كان حارا فهو حريف وان كان باردا فهو حامض وان كان معتدلا فهو دسم والمتوسط في الكثافة واللطف ان كان حارا فهو مالح وان كان باردا فهو قابض وان كان معتدلا فقد قالوا انه تفه وفي التفه كلام والحريف أسخن ثم المر ثم المالح لان الحريف أقوى على التحليل والتقطيع والجلاء من المر ثم المالح كأنه مر مكسور برطوبة باردة يدل عليه ما ذكرناه من نحو تكونه وكذلك إذا سخن المالح بشمس أو نار أو بمفارقة المائية الكاسرة من قوة الحرارة صار مرا وكذلك البورق والملح المر أسخن من الملح المأكول والعفص هو الأبرد ثم القابض ثم الحامض ولذلك تكون الفواكه التي تحلو تكون أولا فيها عفوصة شديدة التبريد فإذا جرت فيها هوائية ومائية حتى تعتدل قليلا بالهوائية وباسخان الشمس المنضج مالت إلى الحموضة مثل الحصرم وفيما بين ذلك تكون إلى قبض يسير ليس بعفوصة ثم تنتقل إلى الحلاوة إذا عملت فيها الحرارة المنضجة وربما انتقل من العفوصة إلى الحلاوة من غير تحمض مثل الزيتون لكن الحامض وان كان أقل بردا من العفص فهو في الأكثر أكثر تبريدا منه للطافته ونفوذه والعفص والقابض يتقاربان في الطعم لكن القابض انما يقبض ظاهر اللسان والعفص يقبض ويخشن الظاهر والباطن ومما يعينه على تخشينه انه لا ينقسم لكثافته إلى اجزاء صغار بسرعة ولا يلتحم بعضه ببعض بسرعة ولهاتين الحالتين تفترق مواقعه من اللسان افتراقا محسوسا فيختلف قبضه في أجزائه فيختلف وضعها فيخشن ويعين على ذلك اختلاف أجزاء العضو في مسامتته ومضاهاته والعفص ألطف وأدخل والحريف والمر يجردان اللسان جردا لكن المر انما يجرد ظاهر اللسان والحريف يغوص جرده وتفريقه لأنه لطيف الجوهر غواص وأما المر فثقيل الجوهر يابسه ولذلك لا يقبل الصرف منه عفونة يتولد منها فيه حيوان ولا يغذو الصرف منه حيوانا وليبوسة المر ما يجرد مع تخشين ما ومما يقوى حرارة الحريف على حرارة المر نفوذه فيقطع شديدا ويحلل شديدا حتى يأكل ويعفن ويبلغ أن يهلك والحلو والدسم كلاهما يبسطان اللسان ويلينانه بتسييل ما أداه البرد وعقده من غير تحليل ويزيلان خشونته لكن الدسم يفعل ذلك من غير تسخين بين والحلو يفعل مع تسخين فلذلك ينضج الحلو أكثر قالت الأطباء وانما صار الحلو لذيذا لأنه يجلو الغليظ جلاء يصلحه ويسيله ويلينه ويزيل أذى جموده من غير تقطيع وتفريق اتصال وملاقاة بعنف ولا يسخن سخونة مؤذية بل لذيذة مثل لذة الماء المعتدل الحر إذا صب على الخصر وأما القول الفصل
(٢٢٩)