* (الفصل الثاني في أمزجة الأعضاء) اعلم أن الخالق جل جلاله أعطى كل حيوان وكل عضو من المزاج ما هو أليق به وأصلح لأفعاله وأحواله بحسب احتمال الامكان له وتحقيق ذلك إلى الفيلسوف دون الطبيب وأعطى الانسان أعدل مزاج يمكن أن يكون في هذا العالم مع مناسبة لقواه التي بها يفعل وينفعل وأعطى كل عضو ما يليق به من مزاجه فجعل بعض الأعضاء أحر وبعضها أبرد وبعضها أيبس وبعضها أرطب فاما أحر ما في البدن فهو الروح والقلب الذي هو منشؤه ثم الدم فإنه وان كان متولدا في الكبد فإنه لاتصاله بالقلب يستفيد من الحرارة ما ليس للكبد ثم الكبد لأنها كدم جامد ثم الرئة ثم اللحم وهو أقل حرارة منها بما يخالطه من ليف العصب البارد ثم العضل وهو أقل حرارة من اللحم المفرد لما يخالطه من العصب والرباط ثم الطحال لما فيه من عكر الدم ثم الكلى لان الدم فيها ليس بالكثير ثم طبقات العروق الضوارب لا بجواهرها العصبية بل بما تقبله من تسخين الدم والروح اللذين فيها ثم طبقات العروق السواكن لأجل الدم وحده ثم جلدة الكف المعتدلة وأبرد ما في البدن البلغم ثم الشحم ثم السمين ثم الشعر ثم العظم ثم الغضروف ثم الرباط ثم الوتر ثم الغشاء ثم العصب ثم النخاع ثم الدماغ ثم الجلد * وأما أرطب ما في البدن فالبلغم ثم الدم ثم السمين ثم الشحم ثم الدماغ ثم النخاع ثم لحم الثدي والأنثيين ثم الرئة ثم الكبد ثم الطحال ثم الكليتان ثم العضل ثم الجلد هذا هو الترتيب الذي رتبه جالينوس ولكن يجب أن تعلم أن الرئة في جوهرها وغريزتها ليست برطبة شديدة الرطوبة لان كل عضو شبيه في مزاجه الغريزي بما يتغذى به وشبيه في مزاجه العارض بما يفضل فيه ثم الرئة تغتذي من أسخن الدم وأكثره مخالطة للصفراء فعلمنا هذا جالينوس بعينه ولكنها قد يجتمع فيها فضل كثير من الرطوبة عما يتصعد من بخارات البدن وما ينحدر إليها من النزلات وإذا كان الامر على هذا فالكبد أرطب من الرئة كثيرا في الرطوبة الغريزية والرئة أشد ابتلالا وان كان دوام الابتلال قد يجعلها أرطب في جوهرها أيضا وهكذا يجب أن تفهم من حال البلغم والدم من جهة وهو ان ترطيب البلغم في أكثر الامر هو على سبيل البل وترطيب الدم هو على سبيل التقرير في الجوهر على أن البلغم الطبيعي المائي قد يكون في نفسه أشد رطوبة فان الدم بما يستوفى حظه من النضج يتحلل منه شئ كثير من الرطوبة التي كانت في البلغم المائي الطبيعي الذي استحال إليه فستعلم بعد أن البلغم الطبيعي دم استحال بعض الاستحالة * وأما أيبس ما في البدن فالشعر لأنه من بخار دخاني تحلل ما كان فيه من خلط البخار وانعقدت الدخانية الصرفة ثم العظم لأنه أصلب الأعضاء لكنه أرطب من الشعر لان كون العظم من الدم ووضعه وضع نشاف للرطوبات الغريزية متمكن منها ولذلك ما كان العظم يغذو كثيرا من الحيوانات والشعر لا يغذو شيئا منها أو عسى أن يغذو نادرا من جملتها كما قد ظن من أن الخفافيش تهضمه وتسيغه لكنا إذا أخذنا قدرين متساويين من العظم والشعر في الوزن فقطرناهما في القرع والانييق سال من العظم ماء ودهن أكثر وبقى له ثفل أقل فالعظم إذا أرطب من الشعر وبعد العظم في اليبوسة الغضروف ثم الرباط ثم الوتر ثم الغشاء ثم الشرايين ثم الأوردة ثم عصب الحركة ثم القلب ثم عصب الحسن فان عصب الحركة أبرد وأيبس معا كثيرا من المعتدل وعصب الحس أبرد وليس أيبس كثيرا من المعتدل
(١٠)