أقل جلبا للوباء من تغيره في فصول كثيرة تغيرا جالبا للوباء ليس تغيرا متداركا لما يجنيه التغير الأول على ما وصفنا وأولى أمزجة الهواء بان يستحيل إلى العفونة هو مزاج الهواء الحار الرطب وأكثر ما تعرض تغيرات الهواء انما هو في الأماكن المختلفة الأوضاع والغائرة ويقل في المستوية والعالية خصوصا ويجب ان تكون الفصول ترد على واجباتها فيكون الصيف حارا والشتاء باردا وكذلك كل فصل فان انخرق ذلك فكثيرا ما يكون سببا لأمراض رديئة والسنة المستمرة الفصول على كيفية واحدة سنة رديئة مثل ان يكون جميع السنة رطبا أو يابسا أو حارا أو باردا فان مثل هذه السنة تكون كثيرة الأمراض المناسبة لكيفيتها ثم تطول مددها فان الفصل الواحد يثير المرض اللائق به فكيف السنة مثل ان الفصل البارد إذا وجد بدنا بلغميا حرك الصرع والفالج والسكتة واللقوة والتشنج وما يشبه ذلك والفصل الحار إذا وجد بدنا صفراويا أثار الجنون والحميات الحادة والأورام الحارة فكيف إذا استمرت السنة على طبع الفصل وإذا استعجل الشتاء استعجلت الأمراض الشتوية وان استعجل الصيف استعجلت الأمراض الصيفية وتغيرت الأمراض التي كانت قبلها بحكم الفصل وإذا طال فصل كثرت أمراضه وخصوصا الصيف والخريف واعلم أن لانقلاب الفصول تأثيرا ليس هو بسب الزمان لأنه زمان بل لما يتغير معه من الكيفية هو تأثير عظيم في تغير الأحوال وكذلك لو تغير الهواء في يوم واحد من الحر إلى برد لتغير مقتضاهما في الأبدان وأصح الزمان هو ان يكون الخريف مطيرا والشتاء معتدلا ليس عادما للبرد ولكن غير مفرط فيه بالقياس إلى البلد وان جاء الربيع مطيرا ولم يخل الصيف من مطر فهو أصح ما يكون * (الفصل الخامس في الهواء الجيد) * الهواء لجيد في الجوهر هو الهواء الذي ليس يخالطه من الأبخرة والأدخنة شئ غريب وهو مكشوف للسماء غير محقون للجدران والسقوف اللهم الا في حال ما يصيب الهواء فساد عام فيكون المكشوف أقبل له من المغموم والمحجوب وفي غير ذلك فان المكشوف أفضل فهذا الهواء الفاضل نقى صاف لا يخالطه بخار بطانح وآجام وخنادق وأرضين تزه ومباقل وخصوصا ما يكون فيه مثل الكرنب والجرجسير وأشجار كثيفة وأشجار خبيثة الجوهر مثل الجوز والشوحط والتين وأرياح عفنة ومع ذلك يكون بحيث لا يحتبس عنه الرياح الفاضلة لان مهابها ارض عالية ومستوية فليس ذلك الهواء هواء محتبسا في وهدة يسخن مع طلوع الشمس ويبرد مع غروبها بسرعة ولا أيضا محقونا في جدران حديثة العهد بالصهاريج ونحوها لم تجف بعد تمام جفافها ولا عاصيا على النفس كأنما يقبض على الحلق وقد علمت أن تغيرات الهواء منها طبيعية ومنها مضادة للطبيعية ومنها ما ليس بطبيعي ولا خارج عنه واعلم أن تغيرات الهواء التي ليست عن الطبيعة كانت مضادة أو غير مضادة قد تكون بأدوار وقد تكون غير حافظة للأدوار وأصح أحوال الفصول ان تكون على طبائعها فان تغيرها يجلب أمراضا * (الفصل السادس في فعل كيفيات الأهوية ومقتضيان الفصول) * الهواء الحار يحلل ويرخى فان اعتدل حمر اللون بجذب الدم إلى خارج وان أفرط صفره بتحليله لما يجذب وهو يكثر العرق ويقلل البول ويضعف الهضم ويعطش والهواء البارد يشد
(٨٤)