والمائية فيصير تارة عكرا وتارة رقيقا وتارة أسود شديد السواد وتارة أبيض وكذلك يتغير في رائحته وفى طعمه فيصير مرا ومالحا وإلى الحموضة وأما البلغم فمنه طبيعي أيضا ومنه غير طبيعي والطبيعي هو الذي يصلح ان يصير في وقت ما دما لأنه دم غير تام النضج وهو ضرب من البلغم الحلو وليس هو بشديد البرد بل هو بالقياس إلى البدن قليل البرد وبالقياس إلى الدم والصفراء بارد وقد يكون من البلغم الحلو ما ليس بطبيعي وهو البلغم الذي لا طعم له الذي سنذكره إذا اتفق ان خالطه دم طبيعي وكثيرا ما يحس به في النوازل وفى النقث وأما الحلو الطبيعي فان جالينوس زعم أن الطبيعة انما لم تعدله عضوا كالمفرغة مخصوصا مثل ما للمرتين لان هذا البلغم قريب الشبه من الدم وتحتاج إليه الأعضاء كلها فلذلك أجرى مجرى الدم ونحن نقول ان تلك الحاجة هي لامرين أحدهما ضرورة والآخر منفعة أما الضرورة فلسببين أحدهما ليكون قريبا من الأعضاء فمتى فقدت الأعضاء الغذاء الوارد إليها صادر ما صالحا لاحتباس مدده من المعدة والكبد ولأسباب عارضة أقبلت عليه قواها بحرارته الغريزية فأنضجته وهضمته وتغذت به وكما أن الحرارة الغريزية تنضجه وتهضمه وتصلحه دما فكذلك الحرارة الغريبة قد تعفنه وتفسده وهذا القسم من الضرورة ليس للمرتين فان المرتين لا تشاركان البلغم في أن الحار الغريزي يصلحه دما وان شاركتاه في أن الحار العرضي يحيله عفنا فاسدا والثاني ليخالط الدم فيهيئه لتغذية الأعضاء البلغمية المزاج التي يجب أن يكون في دمها الغاذيها بلغم بالفعل على قسط معلوم مثل الدماغ وهذا موجود للمرتين وأما المنفعة فهي أن تبل المفاصل والأعضاء الكثيرة الحركة فلا يعرض لها جفاف بسبب حركة العضو وبسبب الاحتكاك وهذه منفعة واقعة في تخوم الضرورة وأما البلغم الغير الطبيعي فمنه فضلي مختلف القوام حتى عند الحس وهو المخاطي ومنه مستوى القوام في الحس مختلفة في الحقيقة وهو الخام ومنه الرقيق جدا وهو المائي منه ومنه الغليظ جدا وهو الأبيض المسمى بالجصي وهو الذي قد تحلل لطبقة لكثرة احتباسه في المفاصل والمنافذ وهو أغلظ الجميع ومن البلغم صنف مالح وهو أحر ما يكون من البلغم وأيبسه وأجفه وسبب كل ملوحة تحدث أن تخالط رطوبة مائية قليلة الطعم أو عديمته أجزاء أرضية محترقة يابسة المزاج مرة الطعم مخالطة باعتدال فإنها ان كثرت مررت ومن هذا تتولد الأملاح وتملح المياه وقد يصنع الملح من الرماد والقلى والنورة وغير ذلك بأن يطبخ في الماء ويصفى ويغلى ذلك الماء حتى ينعقد ملحا أو يترك بنفسه فينعقد وكذلك البلغم الرقيق الذي لا طعم له أو طعمه قليل غير غالب إذا خالطته مرة يابسة بالطبع محترقة مخالطة باعتدال ملحته وسخنته فهذا بلغم صفراوي وأما الحكيم الفاضل جالينوس فقد قال إن هذا البلغم يملح لعفونته أو لمائية خالطته ونحن نقول ان العفونة تملحه بما تحدث فيه من الاحتراق والرمادية فتخالط رطوبته وأما المائية التي تخالطه فلا تحدث الملوحة وحدها إذا لم يقع السبب الثاني ويشبه أن يكون بدل أو القاسمة الواو الواصلة وحدها فيكون الكلام تاما ومن البلغم حامض وكما أن الحلو كان على قسمين حلو لأمر في ذاته وحلو لأمر غريب مخالط كذلك الحامض أيضا تكون حموضته على قسمين أحدهما بسبب مخالطة شئ غريب وهو السوداء الحامض الذي سنذكره والثاني بسبب أمر في نفسه وهو أن يعرض للبلغم الحلو المذكور أو ما هو في طريق
(١٤)