فلك العبرة بجماعة من النصارى يعدون أنفسهم ويعدهم أصحابهم من أهل العلم والوصول، فإنهم قد وقعوا في مخالفة اعتقادهم وجماعتهم وجامعتهم من حيث لا يشعرون، وارتبكوا في الشطط على كتابهم وذهبت بهم الوساوس أنى شاءت، ولنقتصر من شواهد ذلك على موارد:
(الأول والثاني) قال البستاني في الجزء الخامس من دائرة المعارف (ص 536) وبعض مفسري الكتاب المقدس المدققين ذهب إلى أن قصة (بلعام) المدرجة في سفر العدد (ص 22 - 24) دخيلة.
وذهب آخرون إلى أن كلام الأتان عبارة عن رؤيا ظن بلعام أنه رأى فيها ملاكا وتوهم أنه سمع الأتان، فأنكر بعضهم الملاك وكلام الأتانة وجعل ذلك من الظن والوهم، وخالف صراحة العهدين أقبح مخالفة وذلك لمقدمات فاسدة استحوذت على أفكارهم، إذ سولت لهم امتناع كلام الأتانة وعاقليتها لمثل هذه الأمور وإن اقتضت القدرة الإلهية ذلك، وما هذا إلا من عدوى مجاورة الملحدين.
ولكن هذا الإنكار تفضحه صراحة التوراة بوقوف ملاك الرب في الطريق ليقاوم بلعام، ورؤية الأتان له، ثم وقوفه في الخندق، ثم اجتيازه ووقوفه في مكان ضيق، ورؤية الأتان له، في هذه الحالات قبل أن يراه بلعام وأن الله فتح فم الأتانة وترادت الكلام مع بلعام مرتين.
وكشف الله عن عيني بلعام فأبصر الملاك واقفا وسيفه مسلول، وتراجع في الكلام مع بلعام مرتين، ووقفا على قرار، وموعد تعليم (انظر عد 22:
22 - 36).
ولأجل ذلك أقدم بعض المفسرين المدققين على أن ينكروا كون قصة بلعام من التوراة فحكموا بأن ثلاث فصول من سفر العدد هي مدسوسة ودخيلة في التوراة، كل ذلك سترا على اعتقادهم الفاسد ومكافحة صراحة التوراة له، ولا ينفعهم ذلك حتى ينكروا صراحة العهد الجديد بتكلم الأتانة ونطقها بصوت إنسان (2 بط 2: 16) وإشارته إلى قصة بلعام المذكورة في التوراة (2 بط 2:
15 ويه 11).