واضطراب الأوهام، وشذوذ الأفكار، وتلجج القرائح، وطويل معترك في الخطأ والتخطئة، وتردد مقالات في التقريض والتغليط فقال (ذ ص 72) ثم إن للفصاحة في العربية قواعد وأصولا وضعوها هم أنفسهم وعدوا في جملتها سلامة الكلام من ضعف التأليف، ومن الغرابة والتنافر ومخالفة القياس، وسترى أن في القرآن ما يخالف قواعدهم، ونحن لا نذكر لك منه إلا ما كانت المخالفة فيه بينة لا تحتمل التأول على علم منا أن المفسرين قد تمحلوا لكل من غلطاته تأولا: وعزب عنهم أن مجرد احتياجه إلى ذلك هو حجة عليه، ولو سلمنا بما حاولوه من الحذف والتقدير لستر غلطه تارة وكشف معناه أخرى لم يبق، ثم من داع لوضع ما وضعوه من القواعد ولأصبح كل لحن وتأويله بل عده من أنواع البديع ممكنا (1) على طريقتهم، هذا كلامه.
ولا تستعجل التسجيل على مفردات شططه، ومكورات لغطه، فإن مباحثنا الآتية إن شاء الله لزعيمة بذلك توقفك على هفواته، وتأخذ بيدك في مداحض زلله، فلنقصر التعرض هاهنا على تمويهه بمولدات القواعد السطحية ومستطرفات الأصول التابعة، وقاصر القياس المجعول، واعتراضه بالحذف والتقدير، وإنا نسألك يا من يعاف المباهتة، ويأنف من لغط الهذيان، هل مهد هذه القواعد قحطان؟ أم هل عنونها عدنان؟ أو شعراء البادية أو خطباء الحاضرة؟ وهل تفاوضوا فيها في سوق عكاظ، أو تآمروا عليها في دار الندوة؟
أو عقدوا عليها حلف الفضول؟ وهل انعقدت عليها للعرب المجامع؟ أم أوجبت الآباء أن يجري القرآن على البساطة السطحية؟ أو حجرت عليه أن يتجاوز في فذلكاته، وبديع الإشارة في مقاصده عن مبلغ نظر الأخفش ونضيج قريحة المبرد؟.
أفلا يعلم كل من له أدنى إلمام بتاريخ هذه القواعد والأصول، وسبب وضعها ومأخذ قياسها أنها حادثة التشكيل، متعبدة باللغة العربية، تابعة لها منقادة لنفوذ مأثورها، خاضعة لسلطان القرآن الكريم الذي تسالمت العرب العرباء على تقدمه وإمامته في لغتهم حتى خضعوا وهم العتاة لإعجازه، واعترفوا