للمشورة في أمره، ورفعه مصانعة الأمم، وقد مر هذا كله فراجعه.
(السادس) زعم سايل (ق ص 226) وكذا الكندي أن الله تساهل مع اليهود فأعطاهم وصايا غير صالحة وأحكاما لا يحيون بها.
وما المنشأ لهذا الشطط إلا موافقة إطلاق النصرانية الرائجة وراحتها لأهوائهما فسول لهما ذلك عيب الشريعة والخضوع لنواميسها، فاجترآ على الذم لشريعة موسى عليه السلام اقتفاء للكلمات المنسوبة إلى بولس، وتوهما من كلام في حزقيال (20: 25).
مع أن ظاهر سوقه ينادي بأن المراد منه أن اليهود لما تمردوا على شريعة الحق وتمادت ارتداداتهم عنها ابتلاهم الله بالذل بين الأمم فخضعوا لشرائعهم الباطلة، ومما يوضح غلطهما في هذا الكلام هو أن العهد القديم وخصوص كتاب حزقيال قد كثر فيه بيان منة الله على الأمة اليهودية إذ أعطاهم شريعة حق عادلة وفرائض صالحة وأحكاما إن عمل بها الإنسان يحيا بها، وقد ذكرنا ذلك في المثال الرابع والأربعين من النسخ.
(السابع) زعم سايل) (ق ص 257) وليس وحده في قصاص الجراح والأطراف المذكورة في التوراة، أن المقصود منه قودما أو عقاب يفي بالجناية لا مقابلة المثل بالمثل فعلا، وأن أسلوب قول التوراة في ذلك قد جرى مجرى الأمثال، ولا يعني به سوى أن القاضي يقتص من الجاني بحسب أهمية الجناية إنتهى.
وما المنشأ في توهمه هذا وتقوله على التوراة بما تكافحه صراحتها، إلا أنهم رأوا أن الإنجيل الرائج قد ألغى أحكام السياسة والقصاص المذكورة في التوراة، وجعلها من مقاومة الشر (مت 5: 38 - 41) ثم رأوا أن إهمال السياسة إلى هذا الحد مما يقصم ظهر النظام ويشوه وجه المدنية والعمران فجعلوا من أنفسهم في هذا المقام شريعة المصادرات والتعزيرات بحسب ما تتقلب فيه آراؤهم وكأنهم تخيلوا أو خيلوا أن ذلك لا يمس التوراة والإنجيل بمخالفة في العمل ومراغمة لصراحتهما بالتأويل.