مشغوفا به.
(الثاني) ذكر الإنجيل كثيرا أن التلاميذ لم يفهموا كلام المسيح معهم وذهبت بهم الأوهام مذاهبها، مع أنهم أتباعه الملازمون له، ومقتضى القاعدة أن يكونوا يعرفون محاوراته وكناياته وإشاراته وقرائن أحواله ومقارنات مشافهاته، وإن لم يفهموها فمن عسى أن يفهمها من أهل عصرهم وغيرهم (انظر مت 16: 5 - 10 ومر 8: 13 - 19 ويو 2: 18 - 23 و 4 22 - 24 و 11: 11 - 14 و 12: 16 و 16: 17 و 18).
ولك العبرة أيضا باشتباه كثير من لغويي المسلمين ومفسريهم في أمور لغوية التبست عليهم موارد استعمالها، أو اختلجت فيها الخيالات، ولنذكر لك من ذلك ثلاثة موارد:
(الأول) خلط جماعة منهم في معنى (اللمس، والمس) ففي القاموس فسر المس باللمس، ثم فسر اللمس بالمس باليد.
وفي المصباح مسسته أفضيت إليه بيدي من دون حائل هكذا قيدوه وقال لمسه أفضى إليه بيده هكذا فسروه.
وفيه أيضا عن المهذب عن ابن الأعرابي المس مسك الشئ بيدك وقد قال: اللمس يكون مس الشئ.
وعن ابن دريد اللمس باليد، وقال: لمست مسست وكل ماس لامس ثم استغرب في المصباح على هذا تفرقة الفقهاء بين المس واللمس في المغني ومال إلى قول الفقهاء لكونهم أدق نظرا وأوصل فهما.
ولا يخفى وضوح الفرق بين معنيي المس واللمس قديما وحديثا بحكم التبادر وشهادة موارد الاستعمال، ولا أظنه يخفى على العارف فإن المس هو مطلق الإصابة بالبدن، واللمس هو مطلق الإصابة بما به الإحساس من البدن بقصد إحساس الملموس، نعم قد يكون الغالب في موارد استعماله هو اللمس باليد لكونها أقوى الجوارح إحساسا في الغالب، وهذا كله مما تحكم به بديهة المحاورات على نحو يقطع معه بعدم النقل.