إلا أن يتم نوره، أمره الله جل شأنه أن يتعرض لإرهابهم ليخافوا جانبه فيكفوا عن غيهم وغرورهم فتعرض لأموالهم وطريق تجارتهم لكي يضطروا في حفظ اقتصادهم وثروتهم إلى الإقلاع عن عدوانهم على المسلمين، فخرج المشركون لإنقاذ أموالهم بعدة تامة وقوة بزعمهم كافية، فلما علموا بنجاتها حملهم طغيانهم وغرورهم بعدتهم وعديدهم فقصدوا حرب رسول الله (ص) اغترارا بقلة أصحابه ووهن استعدادهم، وأصروا على حربه ولم ينجع بهم نصح شيوخهم (ليقضي الله أمرا كان مفعولا)، إذ كان جلت آلائه قد وعد رسوله والمسلمين بإحدى الطائفتين من العير أو النفير، فقضى الله بالفتح على رسوله على نحو لم يكن متصورا في العادة.
ثم تتابعت بعد ذلك حروب رسول الله وتجريداته، وكلها كانت من نحو الدفاع والانتصار للمسلمين، وكسر عادية المشركين.
وكان (ص) في حروبه وتجريداته كلها يبتدأ بالدعوة إلى الإيمان والصلاح ويرغب فيهما، ويحث على السلم، ويجيب إلى الهندة ويقبل العثرة ويركن إلى الصلح مع كونه المظفر المنصور، كل ذلك لحبه الصلاح، وليكون الامهال وحسن السيرة ولين الجانب والوفاء بالعهد داعية للناس إلى الإيمان من دون تحريش بالحروب القاسية.
فإذا اعترف المشرك بالتوحيد وأناب إلى الإيمان ولو ظاهرا عصم ماله ودمه، وصار أخا حبيبا للمسلمين، وإن كان قد قتل في الشرك آبائهم وأبنائهم وجنى ما جنى عليهم.
وكان (ص) أهم وصاياه في تجريداته وحروبه هو النهي عن المثلة بالقتلى، وسوء الولاية، وقتل النساء والأطفال والمشائخ العاجزين والرهبان المعتزلين وإزعاجهم عن معابدهم.
وكان يحث على الرأفة بالأسرى والمماليك وحسن معاملتهم ويسلي قلوبهم ويعدهم بنعمة الله عليهم، ويشدد في الترغيب في عتقهم.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقبل من أهل الكتاب الجزية على شروط