فرعون الطاغية لموسى في رد دعوته، بل هو رد جميل من مثل فرعون قد نزه به موسى عن تعمد الافتراء على الله بدعوى الرسالة وليس لعنا، وقول موسى لفرعون أظنك مثبورا هو أيضا من أيسر الانذار وليس شتما، كما لا يخفى ذلك على أقل الناس فهما وأكثرهم غباوة، ولا يقول بأنه شتم ولعن إلا من داس شرف أدبه بنعل تعصبه.
وإذ قد نزه المتكلف فرعون عن أن يقول لموسى أظنك مسحورا، فقد اعترف بأن فرعون على عتوه وغلظ قلبه أطيب منه نفسا وأحسن أدبا وأعف لسانا وأقل تمردا على الله.
فإن المتكلف قد نزه فرعون عن الجرأة على موسى بما هو واحد من ألوف الألوف من قبيح جرأته على قدس رسول الله الصادع بالحق، مع أن رسول الله لم يبهظ المتكلف في دعوته بمثل ما بهظ به موسى فرعون، فإن دعوة موسى تبهظ فرعون بالتوحيد النافي لأوثان كثيرة من آلهة المصريين، ودعوة رسول الله بتوحيده لا تبهظ المتكلف إلا بنفي اثنين من ثالوثه، وأن موسى عليه السلام في دعوته قد سمى آلهة المصريين رجسا، ورسول الله قد مجد المسيح بعد أن نفى عنه الإلهية وسماه رسول الله وكلمته، ونزهه بالتمجيد عما قرفت قدسه به الأناجيل، ومجد الروح القدس إذ جعله رسول التنزيل على الأنبياء.
وأن دعوة موسى تستلب من فرعون سلطانه وتحطه عن سلطته وتشتت رعيته وتقهره في إجرائه.
وأن دعوة رسول الله لا تمنع المتكلف إلا من خسيس عيش تباع به الأمانة وشرف الأدب والدين، بل يبيح له التعيش والتنعم بما لا يضاد ذلك، وأن ما ذكرناه من اعتراف المتكلف ليكون شهادة أيضا على أن المرسلين الأمريكان الذين طبع كتابه بمعرفتهم هم أيضا شركائه في المقايسة، ويا عجباه ولا عجب من قوم ينزهون فرعون من أن يقول لموسى (أظنك مسحورا) ويرضون من كتاب إلهامهم أن يقول عن خطاب ارميا النبي مع الله جل شأنه: يا سيد الرب حقا إنك خداعا خادعت هذا الشعب وأورشليم قائلا يكون سلام وقد بلغ السيف النفس (ار 4، 10) ويقول إن هذا الكفر من وحي الله.