يؤول إجرائها بهم إلى الإسلام، وشريعة العدل إن ساعدهم التوفيق من دون نكاية بهم أو تساهل بأهوائهم.
فلم يسمع ولن يسمع بمثل رسول الله (ص) في دعوته وسيرته في حروبه حيث أعطى كل مقام صالح حقه من حيث سياسة الإيمان وشريعة العدل، وكسر شوكة الشرك والجور وعوائد الضلال بصدق النهضة والتشمير والصبر في الدعوة، وحسن الدفاع عنها، والشدة في ذات الله من غير قسوة، واللين والرحمة من غير ضعف وخور، قد بلغ في جميع ذلك أعلى مراتب حسن الخلق وكرم النقيبة وحسن الولاية.
وقد ساس العرب العتاة الأشداء الألداء أحلاس الخيل وإخوان السيف وأبناء الحرب، فقلبهم من الوثنية إلى التوحيد، ومن عوائد الضلال إلى شريعة العدل، ومن تفرق الأهواء والتوحش وتكالب العداوة إلى حسن الاجتماع والأخوة والخضوع لنظام المدنية، وهم الذين تمادوا على حرب البسوس عمرا من السنين فقطعوا بها علائق الأرحام ونياط القرابة من أجل ضرع ناقة، واستمروا في حرب الغبرا وداحس فقتلوا الرجال والأطفال من أجل سباق فرس.
ولجوا في حرب كسرى حتى أذاقوه الوبال مع سطوته، وذلك من أجل حماية امرأة.
ويكفيك شاهدا أن هذا العنصر وهؤلاء القوم كلهم قد غلبهم على معبوداتهم وأهوائهم وعوائدهم وجبروتهم وعدوان وحشيتهم وطغيان رياستهم واستقلال قبائلهم، فثنى أعناقهم وجمعهم على التوحيد ونواميس الحق، ومدنية العدل وأدب الشريعة.
وأن الكثير منهم قد انقادوا إلى ذلك برغم أنوفهم مع احتدام قلوبهم بنار الغيظ وضغائن الأوتار، ولكنهم لما تشرفوا بنعمة الإسلام صار رسول الله أحب إليهم من أسماعهم وأبصارهم وذلك لما وجدوه من صلاح دعوته وحسن سيرته في إجرائها فيما عاملهم به من التحمل والملاينة وجميل الدفاع وعاطفة الرحمة