لا يتجسد هذه المباني التي لا مساس لها بالحس بل هي من العقل المجرد.
الشيخ: إن خفي عليك فلا يخفى على أصحاب العلوم أن كل علم لا غنى له عن الرجوع إلى ممثل هذه القضايا العقلية الكلية الفطرية البديهية. بها يسير سيره وعليها تبتني أدلته وبراهينه.
وهي الحجر الأساسي لبناء العلوم واستنتاج كلياتها النظرية المدونة فيه وتمشي أحكامها للموارد الجزئية في مقام استثمار العلوم.
ولا يجدي الحس في أدلة العلم شيئا لولا هذه القضايا التي تمتاز بها فطرة العقل المجرد المشرف على الحقائق بنورانيته.
لا يؤسس مجرد الحس قاعدة كلية تنفع في العلوم. ولعلك تتخيل ذلك في الاستقراء. أتدري ما هو الاستقراء؟ وما هي فائدته؟ الاستقراء هو أن نتبع غالب الأفراد وتشاهدها على حالة فتأخذ من ذلك كلية ظنية في كليتها وعمومها وتسري بواسطتها ظنا إلى الفرد النادر الذي لم تشاهده فتحكم ظنا على هذا الفرد بأنه متصف بتلك الحالة. إذن فاعلم أنه ليس في العلوم العملية المتداولة ما هو مبني على هذا الاستقراء.
هلم إلى أقرب العلوم إلى الحس وهو علم الحساب فلا تحسب أن أصول قواعده من الحس. ألا ترى أن من أصوله البديهية حكمك بأن كل زوج ينقسم إلى متساويين من الصحاح. وكل فرد لا ينقسم. وكل ثلاثة وأربعة إذا جمعتها يكون مجموعها سبعة. وكل خمسة تطرح منها ثلاثة يبقي منها اثنان. إلى غير ذلك.
هل تدعي أنك حصلت العلم بذلك من استقراء المحسوسات الغالبة!!!
كلا ثم كلا. هب أنك من زمان الطوفان إلى الآن قسمت الأربعة من أنواع الأزواج في ليلك ونهارك فهل تبلغ من أفراد الأربعة واحدا من ألوف الثلاثين.