حتى يقال إنه مسافر إلى محل الإقامة، ومنه إلى وطنه، والمفروض أن كلا منهما لا يبلغ المسافة " (1). هذا وقد عرفت إنا لا ندعي أن السفر يعتبر فيه قصد الوجه والعنوان، بل خروجه إذا لم يكن ارتحالا من محله ومقره ليس انشاءا لسفر جديد، وليس إيابه أيضا إنشاء لسفر جديد، بل إنشاء السفر إنما هو من محل إقامته إلى وطنه، فإنه عين الارتحال من محل الإقامة، فإذا لم يبلغ المسافة بين محل الإقامة والوطن ثمانية فراسخ لا يقصر.
رابعها: أن الارتحال تارة حقيقي كما إذا خرج معرضا عن مقره ومستقره، وأخرى حكمي كما إذا خرج من دون إعراض عنه لكنه عاد إليه من طريق أبعد يبلغ المسافة فإنه قهرا تنقطع الإقامة على ما هو المشهور بين الأصحاب من كون السفر الشرعي قاطعا للإقامة، وهو أيضا مقتضى الاعتبار لأن السفر ضد الحضور، كما أن الارتحال ضد الإقامة، ومع تخلل السفر المضاد للحضور المتحقق بنية الإقامة لا يعقل بقاء الحضور، والمفروض عدم حضور آخر بنية الإقامة الجديدة، ولا يقاس بالسفر من الوطن والعود إليه، فإن العود إلى الوطن حضور آخر لا بقاء الحضور الأول، إلا أن يقوم دليل على أن ناوي الإقامة في محل كلما حضر فيه كان حكمه الاتمام، كما ربما يستفاد من خبر المنزلة حيث قال (عليه السلام): " من قدم مكة قبل يوم التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتم الصلاة، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر " (2) فإن ظاهره أن تخلل السفر الموجب للقصر لا يقطع الإقامة، وإلا فلا موجب غير الإقامة السابقة للاتمام فيعلم منه أن كل حضور في محل الإقامة موجب للاتمام كالحضور في الوطن فهو تنزيل للمقيم منزلة أهل البلد بقوله مطلق في جميع الآثار إلا أن هذه الفقرة من الرواية غير معمول بها، ولذا أولوها بتأويلات تقرب من سبعة أوجه كما ذكرها بعض الأساطين (قدس سره) في رسالته