الثالثة، وإن كانت بنحو الشرط المتقدم وجب الاتمام بعد تحقق السفرات الثلاث بعدية زمانية فيتم في السفرة الرابعة. لكنك قد عرفت أن الكثرة بما هي لا دليل على اعتبارها، وأن المعتبر كون السفر عملا وشغلا وحرفة، وقد مر ما يحققه. فتدبر جيدا.
وينبغي التنبيه على فروع.
منها: إنه لو احتطب مثلا فيما دون المسافة بحيث صار حرفة وشغلا له ثم سافر إلى ما يبلغ المسافة للاحتطاب فهل يتم أو يقصر؟ مقتضى ما مر من أن الاعتبار بعملية السفر وهو المقابل للحضر، عدم الاتمام إلا بعد الاحتطاب إلى ما يبلغ المسافة، فمجرد اتخاذ الاحتطاب إلى ما دون المسافة حرفة لا يحقق كون السفر عملا له. وبعبارة أخرى مقتضى المناسبة بين الحكم والموضوع إن السفر الموجب للقصر إذا صار عملا وشغلا له يجب الاتمام فيه، لا أنه إذا صار شئ آخر حرفة له يوجب الاتمام في سفره، فلا عبرة بمجرد صدق عناوين المكاري والحطاب في كونه موجبا للاتمام في سفره، بل إذا صارت هذه العناوين المتقومة بالسفر شغلا له يوجب الاتمام.
ومما ذكرنا تبين إن ذكر الراعي والتاجر الذي يدور في تجارته لا يدل على عدم اعتبار المسافة في وجوب الاتمام في سفره نظرا إلى أن الراعي للمواشي لا يحتاج دائما إلى قطع المسافة، وكذا التاجر الذي يدور في تجارته. ووجه عدم الدلالة إن المدار كما مر على عملية السفر وإن السفر الذي يوجب القصر إذا كان عملا له لتقوم رعيه وتجارته ومكاراته وجبايته به يوجب الاتمام. فهذه العناوين إنما توجب الاتمام بعد تحقق جميع الشرائط المعتبرة في القصر ومنها قصد المسافة.
ومنها: إنه إذا كان الاحتطاب شغلا له فصارت المكاراة شغلا له من دون تخلل الإقامة، فهل يبقى على التمام أو يقصر إلى أن تصير المكاراة حرفة له ومتلبسا بها فيتم في السفرة الثانية؟ وحيث إن المدار على عملية السفر، لا على خصوصيات العناوين المزبورة والمفروض تحقق عملية السفر فله الاتمام في أول سفرة للمكاراة بخلاف ما إذا جعل المدار على عملية المبادئ وقد بينا فساد مبناه سابقا.