وربما يستدل باطلاقات أدلة المسافة من أن التقصير " في بريدين أو بياض يوم " (1)، خرج منها ما إذا لم يكن جزم وعزم فإنه المتقين وبقي الباقي تحتها، وكذلك ربما يستدل باطلاق قوله (عليه السلام): " الفريضة في السفر ركعتان " (2).
ويندفع بانصرافها إلى ما هو المتعارف من قطع المسافة من قصد وعزم، مع أن الأولى غير مسوقة إلا لبيان تحديد المسافة المعتبرة، مع أن الاطلاقات غير متقيدة بمقيد لبي، أو مجمل دائر بين الأكثر والأقل ليؤخذ في تقييدها بالمتيقن، بل مقيدة بمثل " لا يريد " في مرسلة صفوان (3) الظاهر في الإرادة التي هي غير العلم والجزم مفهوما مصداقا. فلا مجال للتمسك بالاطلاقات، ولا أظن كما قيل بالاجماع على وجوب القصر. فالمسألة من حيث ملاحظة أدلتها واضحة، إلا أنها من حيث دعوى التسالم والاجماع على طرفي النقيض مشكلة، والاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه.
ولا يخفى عليك أن موضوع المسألة هو الأسير الذي لا يتمكن من الهرب من أيدي المشركين مثلا كما قيده به بعض الأعلام (قدس سره) لأن من يتمكن من الهرب منهم، ومن ترك المسير معهم فالمسير معهم بترك الهرب المقدور مقدور، فلا يمكن صدور أحدهما منه إلا بالاختيار. فالمسير إلى المقصد المعلوم لا محالة عن قصد، وإن لم يكن عن طيب طبعي كما في المكره. وحيث إن موضوع البحث هو مسلوب القصد الذي لا يكون قابلا للقصد، فيمكن المناقشة في إطلاق الفتاوى باعتبار القصد، فإنه لا معنى لاعتبار القصد إلا فيمن يتمكن منه ولم يقصد طي المسافة بتمامها، بل قصد السير شيئا فشيئا كما في طالب الآبق والغريم، فالاطلاق مسوق لاعتبار القصد الكلي في قبال قصد المسافة شيئا فشيئا. ومنه تنقدح الخدشة في الدليل المقيد، بتقريب أن عدم الإرادة لوحظ في قبال الإرادة بنحو العدم