عقلا ونقلا قبل الفحص، الخدشة في الدليل العقلي. ودعوى الانصراف في الدليل النقلي.
أما الأول: فبملاحظة أن وجود الحجة واقعا إذا كان بحيث يصل إذا تفحص عنه كاف في تمامية الحجة وقطع عذر العبد. فموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان غير محرز قبل الفحص لاحتمال البيان المصحح للعقوبة، والوجه في صلوحه لقطع العذر، إن الوصول الذي معه يكون مخالفة التكليف ظلما على المولى، فيستحق به العقوبة، هو وصوله العادي، وهو قهرا متقوم بمقدار من الفحص عادة، إذ ما كان له طريق متعارف لا يصل قهرا إلا بمقدار متعارف من الفحص وأما الثاني: فلما قيل من انصراف لفظ الشك وعدم العلم عن مورد يمكن فيه تحصيل العلم بالفحص العادي، بل إذا أريد من العلم الحجة القاطعة للعذر، كان حال الدليل النقلي حال العقلي.
والتحقيق: إن التكليف حقيقيا كان أو طريقيا متقوم بالوصول، وكونه بحيث إذا تفحص عنه لوصل، لا يحقق إلا إمكان الوصول، لا فعلية الوصول. فالتكليف الواقعي الذي عليه طريق واقعي لا يقبل الباعثية فعلا، وإنما يمكن باعثية التكليف بإمكان الفحص عن طريقه. وكذا التكليف الطريقي الذي لا أثر له إلا إيصال الواقع أو تنجيزه، فإنه مع عدم وصوله فعلا كيف يكون ايصالا للواقع بالفرض أو منجزا له.
نعم ربما يكون الطريق بحد يعد واصلا، نظير المرتكزات في النفس، فإنها وإن لم تكن معلومة تفصيلا بالفعل، بل إنما يتفصل بالتوجه والتأمل في ما في خزانة النفس لكنه لا يعد مثله جاهلا بالمسألة، بل غافلا عن علمه بها. فكذا من كانت عنده بينة يمكنه السؤال عنها فإن مثله لا يعد فاقدا للطريق، وهكذا في نظائره من الطرق المعلومة بأدنى توجه وفحص. وأما في غير ذلك مما يحتاج حقيقة إلى الفحص والبحث حتى يظفر بالطريق لو كان، فلا ملزم به مع عدم وصول الواقع بوصول طريقه حقيقة. ومنه يتضح أن إطلاق الأدلة النقلية إنما ينصرف عن مثله لاعن ما يحتاج إلى فحص وبحث بالغ حقيقة وبقية الكلام في الأصول.