ولا الامكان الاحتمالي، بل الامكان القياسي، أي بالقياس إلى قواعد المحاورة يمكن الجمع بينهما، بأن يكون أحدهما مثلا قرينة على التصرف في الآخر، ومثله إنما يعقل في ما إذا كان الكلامان من واحد أو ممن هو بمنزلة الواحد، وأما البينتان فلا معنى لأن تكون إحداهما قرينة على التصرف في الأخرى مع فرض الاثنينية حقيقة ومعلومية مراد كل منهما جدا.
وحينئذ نقول: الأمارتان المتعارضتان إن كانتا حجة على وجه الطريقية فالأصل فيهما على المعروف هو التساقط والرجوع إلى غيرهما من أصل أو قاعدة، ومسألة حجية إحداهما بلا عنوان نظرا إلى وجود المقتضي في كل منهما، وتساوي المانع بالإضافة إلى المقتضيين، حيث إن المقتضي احتمال الإصابة شخصا وغلبتها فيه نوعا، والمانع هو العلم الاجمالي بكذب أحدهما بلا تعين في مرتبة العلم مما تعرضنا لدفعها في الأصول (1)، فالأصل كما مر هو التساقط، فلا حجة في البين حتى يصدق في نصف مدلولها، نعم التصنيف من حيث الجمع بين الحقين لا الجمع بين الحجتين أمر آخر لا ينافي الطريقية.
وإن كانتا حجة على وجه الموضوعية والسببية فلا تساقط، بل في باب التكاليف يحكم بالتخيير، وذلك لأن المفروض كون المورد في كل منهما ذا مصلحة لزومية، وحيث إنها استيفائية بايجاد محصلها ولا يمكن استيفاؤهما معا فلا محالة يتخير المكلف في استيفاء إحداهما.
وأما باب الحقوق والوضعيات فالمصلحة الحاصلة بقيام الحجة ليست استيفائية، حتى يتصور التخيير، بل تحدث بسبب قيام الحجة على ملكية العين لزيد مثلا مصلحة مقتضية لاعتبار الملكية، وحيث إن العين الواحدة غير قابلة لاعتبار الملكية لزيد ولعمرو بالاستقلال فلا يعقل تأثير السببين معا، والتأثير في أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح، والتأثير في الملكية لأحدهما المردد - مع أنه خلاف مقتضي كل من الحجتين - غير معقول، لاستحالة تعلق كل صفة حقيقية أو اعتبارية بالمردد بما